المنشور

على خلفية قضية الوزير المخلوع وملف أملاك الدولة تساؤلات مشروعة حول ملفات ساخنة


المهم.. الفذ الأهمية في قراءة ما هو متداول الآن في الساحة المحلية من قضايا وملفات بعناوينها المختلفة والتي باتت ذيولها وآثارها وأصداؤها تتفاعل وتتناثر في كل اتجاه.. هو أننا لن نحظى حيال أي منها بأجوبة باهرة الوضوح خاصة على النحو الذي يفترض على من بيدهم هذه الأجوبة أو معنيين بها أن يستنفروا جرأتهم وأن يحسنوا طرح المضامين الذي لا تنطوي على إغفال التصدي لجوهر المشكلات والاكتفاء بالعموميات التي تسّوق بلغة مموهة استنفذت مفاعيلها لا تنم غالباً عن احترام لذكاء المواطن وهو ثاقب على الأقل في معظم الحالات .. !
 
لا حاجة للاستعانة بالأدلة والبراهين التي تؤكد بأن ثمة من يريد ازدراء ذكاء المواطن مرة تلو المرة بعدم التعامل معه معاملة الراشدين سياسياً، يكفي أن نتأمل هذا السجال واللغط حول أخبار وأحداث محلية تسارعت بوتيرة عالية في الآونة الأخيرة وخلقت أجواء تدفع إلى اتجاهات ليس فقط أنها لا تعبىء بمستلزمات الشفافية وإنما أجواء ولدت انزعاجاً انتاب عقولنا .
 
دعونا نتوقف تحديداً أمام ملفين هما اليوم من الأهمية ما يفوق أي تقدير، وكل ملف يثير لا حصر له من بواعث الدهشة والصدمة، ويثير لدينا الحيرة وتساؤلات وعلامات تعجب هي أيضاً لا حصر لها.
 
الملف الأول هو ملف قضية الوزير السابق الذي وسبحان مغير الأحوال تحول بين عشية وضحاها إلى متهم في قضية خطيرة إلى حد بعيد، فيها من الجائز وغير الجائز من الكلام والشائعات والأقاويل ما ملأ البلاد إلى الحد الذي اضطر النيابة العامة أخيراً التدخل وحظر النشر عن هذه القضية ، وهذا أمر في حد ذاته له ما له وعليه ما عليه ..!!
 
أما الملف الثاني فهو ملف تقرير لجنة التحقيق البرلمانية في أملاك الدولة العامة والخاصة، وموقف الحكومة من هذا الملف الذي من المؤسف حقاً أنه موقف يؤكد أكثر مما ينفي .. !! ولكن المفرح في هذا الملف أنه ربما للمرة الأولى التي بدا لنا مجلس النواب بكتله وتياراته وتوجهاته مجمعاً على قضية وطنية بكل المقاييس دون أن تتعثر وتتعرقل وتتوقف عند المفردات والعبارات والشعارات المراوغة، أو عند البعٌد الطائفي على النحو الذي شهدناه عند التعاطي في أكثر من قضية، وأكثر من استجواب .
 
إذا كان ذلك البعد في القضية الثانية قد غاب، فإنه في قضية الوزير السابق كان حاضراً، فهناك مع الأسف وكالعادة ظهر من استهدف تحويل هذه القضية من قضية شخصية لا تزال خاضعة للتحقيق وسينظر فيها القضاء، إلى قضية تدفع قسراً باتجاه ميزان الطائفة والعائلة، مما يضعنا أمام مشهد عبثي أبطاله هؤلاء الذين دأبوا على طأفنة كل موضوع مهما كان ثانوياً وجعله نواة أزمة، بل أزمات وخلافات والتباسات وانقسامات وشحن طائفي لا أول له ولا آخر، وهنا وجه الخطورة في هذه القضية، بل وفي كل قضية.
 
لا يهمنا من هذه القضية التفاصيل، وكل الكلام والأقاويل والحيثيات التي شرقت وغربت، والتي أخذت أبعاداً ربما لم تكن في الحسبان، فإنه سواء صدقت التهم أم لا فإنه لا مناص من الإقرار بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، والإقرار ثانياً بأنه ليس من العدل والأنصاف الانسياق وراء القيل والقال وأن كانت السلطات العامة تتحمل مسؤولية أكيدة في هذا الخصوص، ولأننا لا نريد أن نخترق المحظور أو نقفز على قرار النيابة العامة بحظر النشر عن القضية، فإنه يهمنا في شأن هذه القضية أن نكتفي بهذه الملاحظات الآن على الأقل :
 
●●   أن هذه القضية تضعنا أمام وضع جديد ولافت وباعث على أكثر من تساؤل، وهي أنه للمرة الأولى التي يمثل فيها شخصية عامة وبرتبة وزير في الحكومة أمام النيابة العامة وبتهم جدا خطيرة هي غسيل الأموال والفساد، واذا جاز لنا أن نجتهد في القول بأن ذلك لعله رسالة بأن مبدأ المحاسبة قد وضع على المحك وأنه سيطبق دون استثناء على أي كان .
 
اذا كانت تلك هي الرسالة حقاً فهل نتوقع بأن تشهد الأيام القادمة فتح ملفات فساد وتجاوزات في أكثر موقع من مواقع العمل والمسؤولية وفي ألبا، وطيران الخليج على سبيل المثال، وغيرهما من الشركات والمؤسسات الرسمية، وبما فيها تلك التجاوزات التي كشفت عنها تقارير ديوان الرقابة المالية، وأخيراً التجاوزات المذهلة التي كشفت عنها لجنة التحقيق البرلمانية في أملاك الدولة العامة والخاصة.
●●  على النيابة العامة التي سمحت بالنشر في القضية ثم منعت النشر، أن تدرك أن القضايا العامة والتي يكون أبطالها شخصيات عامة من حق الرأي العام متابعتها ومعرفة مجرياتها، وأن حرية الرأي وحرية الصحافة مكفولة بنص الدستور وهما مفتاح أي إصلاح وحجر الأساس فيه ، بقدر ما للقضاء من سلطة مستقلة لا تخضع للضغط والتأثير عليها، وإذا كنا نعلم جيداً بأنها ليست المرة الأولى ولعلها لن تكون الأخيرة التي تسمح فيها النيابة العامة للنشر في قضية من قضايا الرأي العام، ثم تأمر بمنع النشر في تداول هذه القضية، وأحسب أنكم لازلتم تتذكرون قضية البندر التي حدثت في عام 2006 والتي لا يعرف أحد حتى الآن في أي اتجاه ذهبت .. !!
 
أما القضية الثانية، قضية أملاك الدولة العامة والخاصة وملف لجنة التحقيق البرلمانية ففيها من التفاصيل ما يفترض إلا يمر بسلام .. وإذا كان بمقدورنا أن نستخلص من ردود فعل الحكومة حيال هذا الملف ، والتعليقات المواربة والشروح والمرتبكة التي أطلقها الوزيرين المعنيين، وزيري المالية والعدل لتسويغ ما حدث حيال تلك الأملاك ، فإنه بمقدرونا أن نستخلص عبرة تستحق التأمل، وهي أنه من فرط التلاعب والخلط في ما ورد في هذا الملف من تجاوزات وتعديات وحيثيات ما يغذي روح الإحباط ويثير القلق ويولد الانزعاج، دعونا نقف ونذكر بعض العناوين الذي احتواه هذا الملف كعينة لها الدلالات ما لا يخفى على ذوي الحصافة :
 
-         65 كيلو متر مربع تم الاستيلاء عليها من أملاك الدولة بقيمة 15 مليار دينار .
-         أملاك الدولة المسلوبة تكفي لبناء 200 ألف وحدة سكنية.
-         أراضي حكومية مؤجرة بعشرين فلس سنوياً.
-         تأجير عقارات شاسعة بدينار واحدة لمدة 14 سنة.
-         94% نسبة مشروعات الدفان الخاصة.
-         عقار المحرق وكرانة المستولي عليهما يكتبان لجميع الطلبات الإسكانية .
-         تأجير عقار مساحته 2 مليون متر مربع بدينار.. !!
-         الأرض المخصصة لبريد البحرين أصبح موقف سيارات لفندق بــ 50 دينار سنوياً .
 
لا داعي للاستفاضة فما تم نشره تم تداوله في خصوص هذا الملف كاف لنتيقن جميعاً بأن هذا الملف هو من بين أهم وأخطر الملفات على الإطلاق .. وإذا كان وزير المالية والعدل في جلسة مجلس النواب أثناء مناقشة تقرير لجنة التحقيق البرلمانية قد رفضا استخدام ألفاظ من قبيل “التعدي” الاستيلاء “السرقة” و”النهب” وأنهما أحرص على الأراضي والأملاك، وأنهما يعتبران تقرير اللجنة غير قانوني دون أن يفندا ما جاء فيه بالمنطق والوقائع والحقائق .. فإن أخشى ما نخشاه أن يعبر عن ذلك عن التــــــــزام “بمقولة قولوا ما شئتم ونفعل ما نشاء”، وهي مقولة ظننا رغم أن بعض الظن أثم أننا تجاوزناها ؟