المنشور

خليج توبلي وجريمة اغتصابه


لا يمكن فصل العلاقة الطبيعية بين خليج توبلي وجزيرة النبيه صالح ومن كـُتب له وهو طفل أن يقطن منطقة أم الحصم أو على ضفاف ساحل خليج توبلي من جهة الشمال لا يمكن أن تفارق مخيلته تلك الطبيعة البكر لخليج توبلي وسحره الخلاب في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي عندما كانت مياهه الزرقاء الداكنة تفوح بعطر الطبيعة الندي.

  فساحله الملاصق شمالاً لمنطقة أم الحصم كان نقطة تجمع الأهالي والمشدودة أنظارهم نحو الفردوس الأخضر الذي كان يتوسط بحر الخليج وهي جزيرة النبيه صالح ذات الحضارة التاريخية ومزار الأهالي وبخاصة النسوة مع أطفالهم لإقامة النذور على الضريح بقرية النبيه صالح كـُن النسوة يقدمّن النذور ويستأجرن “العبرة أو البانوش” للانتقال إلى جنة خليج توبلي قرية النبيه صالح الصغيرة والتي كانت محاطة بسياج من الحزام الأخضر الداكن والأجواء الباردة بأرضها الخصبة المليئة بينابيع المياه الحلوة وبرك السباحة والتي كانت من شدة صفائها لا يمكن أن تخفي مياهها سطح القاع وضيائه.

 وأهالي القرية كانوا جزءاً من تلك الطبيعة الصافية ببساطتهم وطيبتهم، كانت تلك القرية محط ولائم قرب المسجد ومزارات متكررة لأهالي المناطق المحيطة بخليج توبلي والذين كانوا ينتقلون بالعبّارة والقوارب التي تتهادى على سفح المياه الزرقاء معتمدة على “الخطرة والمجاديف والأشرعة”، في حركتها فلم تكن في تلك الساعة المحركات البحرية في قاموس البحر، كان خليج توبلي في تلك الآونة ثروة بحرية ومرقداً طبيعياً للعديد من أنواع السمك والحياة البحرية، إن كل تلك الطبيعة وجمالها الخلاب أصبح في خبر كان وأطلال مرثية في أذهان من عاشوا تلك الفترة وقُرت عينهم بتلك الطبيعة الخلابة.

 فاليوم تحولت الجزيرة إلى كتلة إسمنتية والكل يتباكى على نباتات “القرم” المنقرضة والجميع يستصرخ محطة توبلي للصرف الصحي لوقف تدفق مياه الصرف الصحي غير المعالجة في مياه الخليج والمناشدات للجهات المسؤولة وأصحاب القرار على قدم وساق تـُطالب بوقف عمليات الدفع العشوائي وعملية سرقة المتنفذون لمساحات وأجزاء شاسعة من مياه خليج توبلي، ربما قد تكون للحضارة والتقدم والمدنية نصيب في تغيير الطبيعة وجغرافيتها لكن ما جرى ويجري في خليج توبلي جريمة بيئية وطنية يتحمل مسؤوليتها أصحاب القرار والمسؤولون بالدولة ممن أجازوا وشرعوا وشاركوا في اغتصاب خليج توبلي وتدميره والقضاء على ثرواته الطبيعية وحولوا مياهه إلى أتربة مدفونة لتقام عليها قصور وفلل وأصحابها لا يشكون من أزمة سكن لديهم، بل من جشع لا حدود له. وأولئك هم ذاتهم من أسهم بتدمير واختفاء العديد من السواحل والمحميات الطبيعية.

وخليج توبلي جزء من ذلك والمخاطر الذي تحاصره اليوم وتخنق أنفاسه وأنفاس أهالي المناطق المحيطة به يتفرج عليها المسؤولون بالدولة وكأنهم يشيعون جنازة الخليج يوماً عن يوم في ظل غياب القرارات النافذة وسيادة القانون لفرض خط الدفان وتحديده فتلك قضية تتقادم وتـُعلك منذ العام 2006 وإلى يومنا هذا ناهيك عن خط الارتداد المسمى الجديد والذي ستكون عملية تطبيقه خاضعة لتعدد مراكز القرار!! وقد تبلغ كلفته 140 مليون كتعويض لملاك الأراضي في ظل شح الموازنة.
نعم يتباكى المسؤولون في هذه الفترة من أجل تنظيف خليج توبلي الذي بلغت ارتفاع الرواسب والمخلفات على قاعه حوالي 5 أمتار وتقلصت مساحة المياه فيه من 21 كيلومتر مربع إلى 13 كيلومتر مربع من جراء عمليات الدفن العشوائي وكلفة عمليات التنظيف قد تصل إلى 15 مليون. لقد تحول خليج توبلي من محمية طبيعية وثروة طبيعية إلى مجمع للقاذورات وتفريخ للملوثات البيئية.

 وكما اغتصبت في بدايات الأمر جزيرة النبيه صالح جوهرة خليج توبلي لتتحول أراضيها إلى فلل وقصور لوزراء ووكلاء وزارة لا طائل منها للمواطن أو عائد على الناتج المحلي واقتصادياته فقد اغتصبت كذلك مياه خليج توبلي لتتحول مرتعاً لسماسرة العقارات والمتنفذين وليُحرم أهالي المنطقة ليس من مصدر رزقهم بالثروة السمكية بل وحتى من الاستمتاع بمنتزه كمتنفس على ضفاف ساحل الخليج. إنه في الوقت الذي كان من الممكن أن يـُستثمر خليج توبلي بشكل سياحي للنفع العام ومركز جذب تجنى منه عوائد مالية تحول بسبب سياسة التخبط إلى بلاء لتـُصرف عليه ملايين الدنانير لترميم وإصلاح عمليات التخريب والاستهتار المتعمد الذي دمر بيئته الطبيعية وأجهض ثروته الوطنية.