المنشور

هل ثمة إمكانية لتعايش الليبرالية مع الإسلام؟


رغم ما تحفل به الليبرالية من فضاء رحب للتعدد والتسامح والحوار وإمكانية لاستيعاب كل المختلفين والمخالفين من كافة التيارات المناوئة والمناقضة إلاّ أنها كانت دوماً وأبداً موضع نقد بالغ العنف والشراسة من التيارات الاسلاموية المتشددة.

السؤال لماذا كل هذا العداء الموغل في ضراوته وهذه الحدّة التي تواجه بها على الدوام؟ هل كونها قادرة على «التأقلم مع كافة الخيارات البشرية وإن بدرجات متفاوتة ولأنها تملك القدرة على الاستجابة لمبادىء الإسلام وقد حدث هذا مع الإسلام الليبرالي». إنّ المتابع لحركة الفكر الليبرالي على الساحة المحلية يمكنه أن يرصد ظاهرة متنامية آخذة في التمدد والتوسع متمثلة في الانفتاح باتجاه الليبرالية. ولعل ما يعضّد هذه الرؤية المحاضرة التي ألقاها المفكر الجزائري المولد الفرنسي الجنسية محمد أركون بمركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة قبيل سنوات قليلة وما دار حولها من جدل وتراشق بين كافة التيارات. والشاهد هنا هو الإقبال الجماهيري المنقطع النظير الذي ضاقت به صالة المركز وردهاته وخاصة من الفئات الشبابية. والحقيقة أنّ المحاضرة بكل تداعياتها لم تمثل صدمة للمتابعين والراصدين لنبض الحراك الثقافي منذ أمد ليس بالقصير. حيث الساحة الفكرية والثقافية تشهد تحولات فكرية بين أبناء الجيل الجديد. تجليات الظاهرة المشار إليها تمثلت عبر العديد من الكيانات أبرزها التيار الحداثي الذي كان يبحث عن هويته ويلتمس الإسناد والشرعية لدى المرجعيات الدينية. ولم يعد خافياً أنّ التيارات الدينية المتشددة كانت متخوفة من توجه الفئات الشبابية نحو «اللبرلة». بل إنّ الجماهير المتجذبة نحو الليبرالية كانت تشكل قلقًا وصداعًا غير طبيعي لدى الدعاة ورموز الحركة الدينية.

 ولو أردنا البحث في عمق الظاهرة المقلقة لربما عثرنا على أنّ الأزمة تكمن في الخطاب الديني ذاته. وعدم استجابته لروح العصر ومواكبته للتغيرات والتحولات الكونية الهائلة بل الأدهى هي في تقوقعه وحواره مع الذات غير عابىء بما يدور حوله. إنّ «طبيعة العصر تفترض طبيعة قرائية مغايرة لكل ما سبق من قراءات وهذا أمر طبيعي في مجتمع أصبح متعدداً ومتنوعاً» كما يشير محمد علي المحمود.

ولعل العامل الأكثر خطورة هنا هو كون المتشددين ممن ينتمون للتيار الإسلامي هو في تصورهم أنهم يمسكون الحقيقة المطلقة في تفسيراتهم وتأويلاتهم. إنّ هذا يشكل نقيضاً للحقيقة وتجنياً للواقع. فالأمر المستقر لدى فلاسفة علم الكلام أنّ الحقيقة نسبية. على عكس ما يؤمن به الإسلاميون المتشددون ويرون بأنّ الإيمان بها لا يعدو كونه ( حلاً سريعاً يلجأون اليه عندما يريدون التخلص من التزام الحق الذي جاءت به الشريعة .حيث تكون الامور فوضى لا ضابط لها ولا حقيقة ثابتة يعرفها الناس .ويتحاكمون اليها .القضية أنك تعتقد أنّ هذا الامر حقيقة وغيرك يعتقد خلافه وكلاكما على صواب ولا ينكر أحد على أحد ! ) واذا كان هذا رأي الفكر المتشدد فإنّ المناصرين لنسبية الحقيقة يرون عكسه تماماً .الدكتور محمد جابر الانصاري يذكر في مؤلفه تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها بأنه «يجب أن يكون واضحاً غاية الوضوح أنّ المطلق مطلق ولكن الفهم البشري لأي جوانب المطلق هو فهم نسبي».

والسؤال أخيرًا، هل ثمة إمكانية لتعايش الليبرالية مع الإسلام؟ إنّ الإجابة مرهونة بتخلي دعاة التيار الإسلامي المتشدد عن تفسيراتهم وتأويلاتهم النابعة من منطلقات ذاتية غير القابلة للتعاطي مع الفكر الآخر. انّ المشكلة كما نتصورها تنبع من الرؤية الأحادية في تفسيراتهم التي تتماهى لديهم بالوحي وهنا تكمن المشكلة. ثمة قواسم مشتركة بين المنهج الإسلامي والتيار الآخر شريطة تخلي الأول عن مفاهيمه التي تكرست عبر أجيال متعاقبة.


 
البلاد 7 ابريل 2010