المنشور

إرادة الشيوعيين أقوى ولن يفلح أحد في تغييبها


الذكرى الـ76 لتأسيس الحزب ليست حدثاً احتفالياً أو مناسبة فنية، إنها مناسبة أساسية لاستذكار تأريخ الحزب ونضالات الشيوعيين وإنجازاتهم في الحركة الوطنية العراقية. وهي في الوقت نفسه، مناسبة لاستخلاص الدروس والعبر من هذه المسيرة الطويلة المضمخة بدماء الشهداء المتفاعلة مع إرادة الشعب ومطالب وهموم الجماهير، وهي ايضاً فرصة لإلقاء الضوء على النشاطات والأعمال السياسية والفكرية والتنظيمية للحزب في الفترة بين العيدين، في كل تنوعاتها وميادينها. من باب أولى، سيما ونحن نحتفل بالذكرى السادسة والسبعين بعد انتهاء فترة نشاط حافلة بالحيوية والتنوع، أن نستنتج ونؤشر ونؤكد ما قمنا به وما أنجزناه، وما رافق ذلك من نجاحات وإخفاقات.


 


في مقابلة مع “طريق الشعب” بمناسبة الذكرى الـ 76 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي


الكبار” ضاقوا بالتعددية البرلمانية … كفاحنا الديموقراطي مع الجماهير سيتواصل


إرادة الشيوعيين أقوى ولن يفلح أحد في تغييبها

احتفال الشيوعيين واصدقائهم بالذكرى الـ76 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي يأتي في ظروف جديدة. فقد خاض الشيوعيون. خلال السنة المنصرمة، منذ الاحتفال بالذكرى الـ 75 للتأسيس، الكثير من النشاطات والنضالات دفاعاً عن مصالح الجماهير ومن اجل ترسيخ الديمقراطية، داخل البرلمان وخارجه، لعل ابرزها كان انتخابات مجالس المحافظات، والانتخابات البرلمانية الاخيرة، التي ماتزال تتفاعل مجرياتها ونتائجها، سلباً وإيجاباً، ان على صعيد الحزب او بين القوى والتكتلات والاحزاب السياسية، او على صعيد حياة الناس، لما يمكن ان تشكل من تأثير على حياتهم ومستقبلهم.

وشأنها في كل عام، طرحت “طريق الشعب” هذه الهموم والأسئلة أو الكثير منها على الرفيق حميد مجيد موسى، سكرتير اللجنة المركزية للحزب خلال التقائها به….

“طريق الشعب”: فبماذا اذن ، يتميز ، احتفال الحزب بالعيد هذا العام؟

–  الذكرى الـ76 لتأسيس الحزب ليست حدثاً احتفالياً أو مناسبة فنية، انها مناسبة أساسية لاستذكار تأريخ الحزب ونضالات الشيوعيين وإنجازاتهم في الحركة الوطنية العراقية. وهي في الوقت نفسه، مناسبة لاستخلاص الدروس والعبر من هذه المسيرة الطويلة المضمخة بدماء الشهداء المتفاعلة مع إرادة الشعب ومطالب وهموم الجماهير، وهي ايضاً فرصة لإلقاء الضوء على النشاطات والأعمال السياسية والفكرية والتنظيمية للحزب في الفترة بين العيدين، في كل تنوعاتها وميادينها. من باب أولى، سيما ونحن نحتفل بالذكرى السادسة والسبعين بعد انتهاء فترة نشاط حافلة بالحيوية والتنوع، أن نستنتج ونؤشر ونؤكد ما قمنا به وما أنجزناه، وما رافق ذلك من نجاحات وإخفاقات. إذ ليس أمام الشيوعيين إلا أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ومع الواقع والحقيقة وهذا هو سر تفاؤلهم وإصرارهم على مواصلة المسير، رغم كل الصعوبات والتعقيدات، سواء كانت ممارسات استبدادية لحكام دمويين دكتاتوريين في العهود السابقة، من سجون وقتل وإعدام وتعذيب او كانت حرباً او عراقيل من نوع جديد في الظروف الجديدة التي يناضل في ظلها الحزب، او تزويراً لإرادة المواطنين، او تشويهاً لوعيهم وسلباً لإرادتهم وتغييراً من قناعاتهم، عبر الضغوط الإعلامية والفكرية، وعبر المال السياسي والإرهاب الفكري والضغوط النفسية، وعبر التلاعب بصناديق الاقتراع وتزوير نتائج الانتخابات. هذا ما يواجه الشيوعيين وهم قادرون على مواجهته، بما يملكونه من منهجية علمية وتفاؤل وإصرار على تقديم أفضل الإنجازات للشعب، لتحقيق الوطن الحر والشعب السعيد، يظلون يواصلون المسير والنضال دون كلل ومهما كانت الظروف والأحوال.

المشاركة في الانتخابات موقف مبدئي 

 واضح ان هم الانتخابات الاخيرة، بكل ما لها وما عليها، وبكل ما لكم وما عليكم، هو الهم المسيطر، وهذا امر مفهوم. فهل اتيح لكم على قصر الوقت، استخلاص الاستنتاجات، او بعضها؟

–  نحن حينما توجهنا إلى المساهمة في الانتخابات كانت أمامنا مجموعة من القناعات والانطلاقات التي نعتبرها ضرورية وصحيحة :
اولاً نحن نساهم في عملية سياسية عنوانها ترسيخ الديمقراطية وإزالة كل الشوائب والثغرات التي تعرقل التطبيق السليم للديمقراطية. وأحد أركان الديمقراطية الأساسية هو الانتخابات، التي من شأنها، إذا ما توفرت النزاهة والصدقية والحيادية في من يديرون عملية الانتخابات، ان تساعد الشعب على اختيار الأفضل الذي يمثله تحت قبة البرلمان، بكل ما يعنيه من سلطات تشريعية ورقابية. إذاً نحن ننطلق من مواقع، إن أي مناسبة تسمح للشيوعيين بالظهور العلني والاتصال المباشر بالجماهير لابد ان نخوضها، سواء حصلنا او لم نحصل على مقاعد في البرلمان او في مجالس المحافظات. هذا موقف مبدئي. وليس ثمة ما يمنع الشيوعيين من مواصلة هذا التقليد وهذه القناعة، إلا إذا استجدت ظروف أخرى تغير من مجرى الأحداث، وعند ذلك يمكن أن يقاطعوا، وهذا غير وارد في اللحظة الملموسة التي نواجهها.

من هذا المنطلق نعمل من اجل ترسيخ الديمقراطية وتثبيت الانتخاب كوسيلة أساسية ورئيسية لتداول السلطة سلمياً، وكبديل للانقلابات والحروب الأهلية والعنف الدموي، هذا من جانب. من جانب آخر نرى ضرورة الاستفادة من كل فرصة لخوض النضال الجماهيري ولتقوية أواصر الصلة والعلاقة مع أوسع الجماهير. لهذا يقف الحزب موقفاً ايجابياً من المساهمة في الانتخابات بصرف النظر، وأنا أؤكد ذلك واشدد عليه، بصرف النظر عما اذا حصلنا على مقاعد او لم نحصل. فاذا تحقق لنا ذلك، سيكون بالنسبة لنا، منبراً يضاف للمنابر الأخرى التي يساهم الشيوعيون في النضال من خلالها للدفاع عن مصالح الشعب وتطلعاته. ولكن ان لم يتحقق لنا ذلك، سيتطلب الامر منا تفسير ما حدث، لهذا دخلنا حلبة التنافس ونحن نعرف إن فرصنا ضعيفة.

التعديلات على القانون اضعفت فرصنا

وذلك ارتباطاً بالتعديلات التي ادخلت على قانون الانتخابات، فقد كانت ظالمة وجائرة على حساب من تجري تسميتهم في اللحظة الراهنة (القوى الصغيرة أو الأقليات السياسية). التعديلات ميزت ضد هذه القوى، وحرمتها من فرص الوصول الى البرلمان، وجيرت أصواتها إلى الفائزين الكبار، الذين ابدوا، في أكثر من مناسبة ضيق صدر بالتعددية والتنوع في البرلمان. فحذف المقاعد التعويضية وتحويل المقاعد الشاغرة التي لا تغطيها أصوات اللذين لم يحصلوا على القاسم المشترك وتحويلها إلى الفائزين اضرّ إضراراً بالغاً بإمكانية وصولنا للبرلمان.
كان لابد ان نأخذ ذلك في الاعتبار ونحن نبحث عن ما يساعد على وصولنا الى البرلمان متجاوزين العقبات التي وضعها القانون الجائر وتعديلاته، أقول ونحن نبحث عن وسائل وآليات، هي تتطابق أصلاً مع ما كنا نسعى له من تشكيل قائمة واسعة عابرة للطوائف والاثنيات.
بحثنا مع الآخرين طرق وسبل التعاون والائتلاف، ولكن ما ظهر على الساحة السياسية من إئتلافات وتحالفات لم يتح للحزب الفرصة بأن يتخذ موقفاً ايجابياً منها؛ أما لأنها كانت تكراراً وإعادة إنتاج لنفس الصيغ السابقة التي رفضناها، أو إنها تفرض اشتراطات وآليات لا تنسجم مع إصرار الحزب على الحفاظ على استقلاليته الفكرية والسياسية والتنظيمية.

التحدي الكبير

لهذا كنا نرى أن فرصنا للحصول على مقاعد ليست كثيرة. مع ذلك اعتبرنا إن الحاجة لبلورة التيار الديمقراطي وتأسيس نواة صلبة له تتمثل في صياغة برنامج يعبر عن عميق طموحات شعبنا وكادحيه هو ضرورة موضوعية تفرضها الحالة السياسية في العراق، بما يعنيه ذلك من ظهور صوت مميز يعبر عن هذه الشرائح. من هذه الناحية كانت المشاركة في الانتخابات واعدة وذات أفق مشرق. ولهذا اعتبرنا مساهمتنا بالانتخابات بإسم “اتحاد الشعب” وهي تمثل فئات هامة من التيار الديمقراطي تحدياً. واعتقد ان كل من يفهم معنى كلمة التحدي يدرك بأننا لم نضع احتمال الفوز باعتباره الاحتمال الوحيد، وإنما، ايضاً، احتمال الخسارة؛ فنحن نعمل ونناضل في ظروف سياسية واجتماعية غاية في التعقيد. وما أدانه الرأي العام من ظواهر طائفية واثنية، اجبر بعض القوى السياسية على التخلي عنها، ظاهرياً، ولكنهم بقوا متمسكين به فعلاً وحقيقة. وواهم من يتصور إن الأمور والانتخابات جرت بعيداً عن الولاءات الثانوية، أو على أساس المواطنة والبرامج السياسية. بل إن ما سبق الانتخابات من صراع محموم، دفع الناس إلى التخندق والاصطفاف مجدداً خلف قوائم هي بالأساس رائدها وشعارها ذات عمق طائفي واثني، هذا بشهادة كل المتابعين المتعمقين لحالة العراق، سواء كان ذلك بأسم اجتثاث البعث أو الخوف من مؤامرة بعثية. كل ذلك أعاد التخندق والتشدد إلى الجمهرة الأساسية من الناخبين.
إذا لم تكن البرامج ولم تكن الأهداف السياسية الأصلية هي المتحكم في خيارات الناخبين، دع عنك إننا نعيش في مجتمع ما زالت الأمية تحتل نسبة عالية فيه وما زال سائداً الجهل والتخلف الثقافي وضعف التقاليد الديمقراطية وضعف المعرفة بألاعيب وخفايا و”فنون” الانتخابات!، هذا فضلاً عن التزوير والتلاعب والتدخلات الخارجية الكبيرة. فوزير الخارجية يقول علناً: انتخاباتنا ليست عراقية صرف وإنما هي انتخابات إقليمية بامتياز! فهل سيكون هذا التدخل لصالح الشيوعيين ولصالح الديمقراطيين؟ أم لصالح قوى أخرى؟ لقد اثر كل هذا كثيراً على إرادة الناخبين، وزيف وعيهم، ودفعهم باتجاهات لا تخدم مصالح المواطنين الحقيقية.
ولا يمكن اغفال تدفق المال السياسي، بشهادة الأجهزة الحكومية وغير الحكومية، ما وضع المواطن العراقي، بأغلبيته، تحت ضغط الإعلام المفبرك وتحت ضغط الإعلام الموجه لصالح جماعات على حساب جماعات أخرى.
هذه الظروف هي التي دفعت نتائج الانتخابات بالاتجاه الذي رأيناه، وهي التي وضعت العقبات والعراقيل التي صعّبت على قائمة اتحاد الشعب ان تتسع وان تمتد إلى أوسع من ما امتدت إليه.

النتائج لا تعكس الحقيقة

لكن يبقى أن امتدادها هو أكثر مما ظهر في الإحصاءات الرسمية، فالأصوات التي كسبتها هي أوسع مما ظهر، لكن ما العمل غير أن نشكو للشعب في هذه اللحظة من هذا الظلم، وأن نلجأ الى الوسائل القانونية لانصافنا من هذا الاعتداء على قائمة اتحاد الشعب وعلى من يمثل اتحاد الشعب. ويبدو إننا لسنا الوحيدين بين القوائم التي عانت كثيراً من عمليات التلاعب والتزوير. لهذا كانت فرصتنا للظهور في البرلمان معدومة بسبب كل هذه العوامل. مع ذلك فنحن لسنا مبتئسين، حتى لو كنا رافضين للنتائج ومتألمين مما جرى في الانتخابات من مسخ وتشويه وأذى لمسيرة ترسيخ الديمقراطية في العراق، فذلك لا يدفعنا لليأس والقنوط والإحباط بل سيزيدنا عزيمة على العمل لزيادة الوعي وللتخلص من كل العوامل والآثار المضرة التي أفرزتها هذه النتائج المعلنة.

وقفة للتقييم والدراسة 

 


مع ان الوقت لا يزال مبكراً، لكن هل توقفتم عند دور بعض مظاهر القصور في عمل الحزب ونشاط منظماته في ما حصل؟


–  في ظل هذه اللوحة الموضوعية المعقدة والتي كما قلت زادها تعقيداً هذا التعديل المجحف والجائر في قانون الانتخابات وهذا التدخل المنفلت الفج للقوى الخارجية في   الشأن العراقي الداخلي، ولأسباب جدية اخرى، فنحن لسنا بصدد السكوت عن فحص وتشخيص نواقصنا الذاتية. بالعكس فمنظمات الحزب على امتداد الرقعة الجغرافية للعراق تدرس، بالملموس، وكل من موقعه، مسيرة نشاط المنظمات والرفاق وتشخص النجاحات والإخفاقات. وستتكلل هذه الدراسات بتجميعها ووضعها في إطار موحد في الاجتماع الاستشاري المقبل وفي الاجتماع القادم للجنة المركزية. في هذه الظروف المعقدة والصعبة نستطيع ان نؤشر حقيقة ان نشاط الحزب وعموم المنظمات في هذه الانتخابات، كان أفضل من نشاطنا في أي انتخابات سابقة. فنحن لسنا أمام حالة تراجع وتدهور في حجم ونوع النشاط الذي قمنا به. ولذلك نشعر بالألم والامتعاض من التزوير، أكثر من أي وقت آخر، ومن التلاعب بالانتخابات. ان وقوفنا عند هذه الأرقام وعدم حصولنا على نتائج اكبر لا يعود بالاساس الى قناعتنا بتردي نشاط منظماتنا ورفاقنا ونهجنا وتكتيك لجاننا الانتخابية. مع ذلك نحن نشعر اننا لو كنا قد تجاوزنا بعض النواقص او بعض الثغرات لكانت الحصيلة اكبر وأفضل.لأننا ونحن نخوض إنتخابات بقائمة مستقلة لم نكن نتوقع حجماً هائلاً من المصوتين، وهذا ما يجب أن نسعى لتحقيقه في المستقبل مع العمل على كل الصعد الموضوعية والذاتية. كان يمكن ان يكون تأثير التزوير والتلاعب اقل، نسبياً، لو كان زخم التصويت لقائمتنا اكبر. اعتقد إننا بحاجة إلى ان نعزز التوجه لإعادة بناء حزبنا كحزب انتخابي بمعنى التخلص من بعض الأساليب وطرائق العمل والنشاطات التي تعيق توسيع عمل الحزب، وان لا نضع النوعية بالتضاد مع الكمية. فالنوعية مطلوبة كذلك الكمية ما دمنا ندخل ميدان التنافس الانتخابي. ومطلوب، أيضاً، ان نمتد جغرافياً أكثر، ان نتلافى الثغرات التي أظهرتها الانتخابات في بعض المناطق وبعض المواقع كالقرى والأرياف والمحلات. علينا أن نعزز من حيوية وديناميكية ومبادرات المنظمات الحزبية وان نؤصل ما قامت به المنظمات في الأشهر الأخيرة. اعني الانخراط في النشاط المطلبي وفي طرق الأبواب وفي الفعاليات الجماهيرية. فهذه وسائل أثبتت نجاحها وضرورتها في تعزيز صلة الحزب بأوسع الناس وللتأثير على وعيهم من خلال تحريك القضايا المطلبية الخاصة بالناس، هذا ما يجب تثبيته كنهج. وبالتالي لابد من أيجاد الوسائل التي تقرب الهيئات القيادية من الهيئات القاعدية، بمعنى ضرورة إعادة النظر ببعض الحلقات الوسطية التي تحرم المنظمات القاعدية من فرصة التعرف والاطلاع على سياسة الحزب بشكل اكبر. هذه وغيرها في ميدان العمل الفكري والحاجة لتطوير إمكانيات الرفاق وقدراتهم في المحاججة، ومعرفة تعقيدات الواقع وصياغة الخطاب المطلوب لتحريك الناس، من خلال فهم ما يطرحه الحزب من شعارات ومن أهداف.

لا مناص من تطوير عملنا الفكري

كل ذلك أمر في غاية الحيوية، ولقد تأكد بأن لا مناص لنا من تطوير عملنا الفكري والثقافي، ليس في داخل الحزب فقط وانما مع المحيطين بالحزب، لتخليصهم مما علق في أذهانهم من قضايا متخلفة وغير ناضجة ومشوهة حول الديمقراطيين والشيوعيين واليسار عموماً وما يمثلونه من فكر وبرنامج ونشاط اجتماعي. نعم نحن بحاجة الى تنظيم علاقاتنا مع الجمهرة الواسعة من القوى الديمقراطية وجعل التعاون الذي حصل في الفترة الأخيرة بمثابة نواة قابلة ومن الضروري، ان تتطور لاحقاً لتتكاتف في إطارها سائر القوى الديمقراطية ولتواصل عملها المشترك في الفعاليات والمناسبات السياسية الكبرى القادمة.

هناك أمور كثيرة أخرى تستحق الجهد في تحريك كادر التنظيم الحزبي ولبعث الجرأة المعنوية والروح الاقتحامية في الانتشار والتغلغل بين الناس. علينا أن يكون نشاطنا اكبر في المنظمات الجماهيرية (منظمات المجتمع المدني) في النقابات والجمعيات، لنكون على صلة مباشرة مع كل مكونات الرأي العام العراقي الحقيقية.

قائمة الميادين والمجالات التي ينبغي ان نطور أعمالنا بها وان نكرس جهداً استثنائياً للحضور في أوساطها كثيرة وكبيرة، وهذا ما اعتقد ان العقل الجماعي للحزب سيتوصل له وهو يدرس بموضوعية وبأناة وصبر، بدون قيود وأيضاً بدون تشاؤم وبدون انهزامية، وبدون جلد للذات. التجربة التي مر بها الحزب والشيوعيون وأصدقاؤهم كبيرة، لكني مؤمن ان الشيوعيين قادرون على ان يستخلصوا دروساً وعبراً من هذه التجربة الصعبة المريرة، ولكن الجريئة، المملوءة بالتحدي لتطوير نشاطهم في المستقبل.

من الاحتجاج الى التغيير


ألا تعكس نتائج الانتخابات، برغم كل ما شابها، نوعاً من الاحتجاج على سياسات القوى المتنفذة؟

–  دعني أعبر عن قناعتي في هذا الجانب. نعم كان الاحتجاج واضحاً وكبيراً على أداء الحكومة وأداء القوى السياسية المتنفذة حتى قبل الانتخابات، وكان النقد عالياً في  وتيرته وخطابه ضد الحكومة وضد القوى السياسية، المساهمة الأساسية في الحكومة، وكانت الشكوى مرة من أوضاع الأمن، رغم التحسن النسبي الذي طرأ عليها، ومن عدم وجود الاستقرار ومن الخدمات السيئة ومن الفساد المستشري الخ. لكن، للأسف الشديد، وحتى أكون صريحاً وواضحاً وحتى لا نخدع أنفسنا، فإن هذا التذمر وهذه الشكوى لم تتحول إلى أصوات فعلية لصالح التغيير، بل للأسف الشديد، جرى التصويت لنفس الكتل والاتجاهات التي كانت مسؤولة عن إدارة الدولة خلال السنوات السبع السابقة، إلا بتغييرات جزئية فوقية. هذا لا يعني إننا نهمل واقع الاحتجاج والتذمر. لكن يبدو ان الاحتجاج والتذمر، لوحده، غير كافٍ. وقد قلناها في اللقاءات الحزبية وفي منابرنا الإعلامية، انه ينبغي العمل من اجل تحويل هذا الاحتجاج والتذمر إلى فعل تغييري ملموس. نحتاج إلى جهد تثقيفي مبرمج، طويل النفس، وهذا يتطلب وقتاً، لأن تغيير الأفكار ليس عملية انقلابية إطلاقاً. هذا أحد العوامل التي تدعونا لعدم التشاؤم وتبعدنا عن الروح الانهزامية وعن الاستسلام، وتدفعنا للتراص والمثابرة على العمل الجاد مع الناس لتغيير قناعاتهم وتحويلها من مجرد رفض إلى فعل إيجابي. نعم هذه حقيقة الوضع، وهو برغم تعقيده، لا يمثل تغييرات جذرية في اللوحة السياسية وفي تركيبة البرلمان، فقد تبدلت وجوه وشخصيات ولكن جوهر المواقف سيتواصل ويستمر.

كيف ستتطور الأمور؟


الآن وقد انتهت الانتخابات إلى ما انتهت إليه، واضافت تعقيدات جديدة إلى التعقيدات السابقة، إلى مَ يمكن برأيكم ان تؤول الأمور؟

–  نحن من أنصار الديمقراطية. لقد أكدت في البداية على التزامنا بالديمقراطية رغم ما تواجه من تشويه. سنعمل من اجل إزالة هذه التشويهات وسننشط سيقوم ضد التشويهات وليس ضد الديمقراطية. نحن ضد الانقلابات والحروب الأهلية والعنف الدموي. نحن مع التغييرات ذات الطابع السلمي، وسنعمل بجهد ومثابرة وباحترام لإرادة الناخبين، على ما هي عليه، فهي إرادة الناخبين في هذه المرحلة. لكن هذا لا ينفي التزوير وهو ما ليست الجماهير مسؤولة عنه، المسؤول وهو من أدار العملية الانتخابية. مع ذلك فأن الناس اختارت وعليها ان تتعامل مع محصلة اختيارها، وكل ما سنسعى له هو ان نتخذ الموقف الصحيح وان نساعد الناس على استخلاص الاستنتاجات المناسبة للاستفادة منها في الانتخابات القادمة. نحن نحترم إرادة الناس وما اختاروه، نحن ديمقراطيون لكن إذا توقفنا عند المحصلة الراهنة وتبصرنا ملامحها الأولية فاعتقد إننا سنواجه أياماً عصيبة، والاحتمالات مفتوحة. ولا يمكن لأي منا ان يتكهن بنتائجها مسبقاً، رغم إننا نتمنى من كل القلب وبكامل المسؤولية ان تمر الأمور بسلاسة وهدوء وان لا تحصل مضاعفات أو تعقيدات ومشاكل وتتعارض مع رغبة الشعب ومصلحته، ومع تمنياتنا بأن تجري الأمور بسلاسة ووفق القانون وعلى أساس العدالة والإنصاف.

خلافات على توزيع الغنائم

ولكن يبدو ان الغبن واضح والتذمر لم يعد قضية المواطنين وحدهم. التذمر متوفر لدى مسؤولي القوائم والكتل السياسية، وهناك عدم ثقة وهناك طعون وعدم ارتياح وهذا ما انعكس على علاقة القوى ببعضها البعض. الاختلاف يبدأ من الكلمة الأولى، من الكلمة الافتتاحية: من سيكلف بتشكيل الوزارة؟ هذه مسألة عليها خلاف، حتى بين القوى المؤتلفة مع بعضها. فالكثير منها لا تملك الانسجام حتى الداخلي. دع عنك في ما بينها وبين الكتل الأخرى القريبة منها. فكيف ستنتهي الأمور؟ وكيف ستوزع الغنائم، والمسؤوليات؟ ومن سيحصل على كذا وكذا؟… تبدو هذه قضية كبيرة، لان نتائج الانتخابات ليست حاسمة، وضعت أربع قوائم في موضع متقارب. نحن لا نرى انه لا يمكن، بالتالي، إلا أن تؤخذ مصالح الوطن والناس للخروج من الأزمة. وهذه غاية صعبة المنال. يضاف إلى ذلك شعور الآخرين بالإجحاف، وبالغبن والخسارة، غير العادلة. هذا كله يخلق أجواء متوترة محتقنة… ولا زال المتدخلون، من كبيرهم حتى صغيرهم، يلعبون اللعبة السخيفة، التي لا تحترم إرادة العراقيين ووحدة العراق واستقلاله. انهم يريدون أن تبقى الكلمة الأولى المقررة لهم دائما وهم سيبقون على عدم حسم الأمور وعلى التنابز والتنافر بين القوى حتى يكونوا لاعبين أساسيين في تحقيق أية تسوية.

لا يمكن لنا في هذه اللحظة إلا التعبير عن التمنيات: نتمنى ان يسود العدل في حل الإشكاليات، واعتماد مصالح البلد والشعب العليا كأساس للاستقرار، وهذا ما كنا نركز عليه في كل الأوقات ونكرره الآن، وبالتالي يحتاج الأمر إلى حوار، إلى تنازلات متقابلة ويحتاج إلى استيعاب كل القوى القادرة على تقديم فعل مفيد وناضج للبلد وتقدم البلد.

نزعة التفرد غير مقبولة، نزعة احتكار السلطة غير مقبولة، كذلك العودة إلى المحاصصة الطائفية الاثنية التي ولدت كل هذه التعقيدات، وقادت إلى التخندق والتعثر، فهي أيضاً يجب أن لا تعود. لابد أن يؤخذ الاستحقاق الانتخابي بالاعتبار وان لا تحتكر السلطة وان لا يجري تجاهل قوى مؤثرة في البلد، وعند ذلك إذا ما توفرت إرادة خيرة طيبة كهذه سنستطيع تجاوز المحنة. وإلا فقد يتطلب الأمر كما يطرح البعض، (وهذا يحتاج إلى دراسة) ان تعاد الانتخابات وتجرى انتخابات جديدة.
هذا ما تطالب به قوى كبيرة، ويجري طرحه علناً ومن على شاشات التلفزيون. فما أعلن عنه من نتائج غير عادل، ولا يمكن التعامل معه. هذا إن لم تتم إعادة الفرز والعد يدوياً ويطمئن الكثير من المشككين والطاعنين إلى النتائج.




هل يعني هذا إنكم ستتحولون إلى حزب معارضة؟

-   نحن لم نكن حزب موالاة. نحن حزب يدرك تعقيدات الوضع الحالي، لقد ساهمنا بالعملية السياسية، ليس شرطاً ان يكون للمساهمين في العملية السياسية ممثلون في البرلمان. كثير من القوى السياسية كانت مهتمة بالعملية السياسية، ولكنها كانت خارج أطر الأجهزة الحاكمة، سواء كانت سلطة تنفيذية أو تشريعية، وهذا ينطبق علينا أيضاً. فإذا كانت هناك إجراءات سليمة وتصب في مصلحة التقدم الاجتماعي ومصلحة الجماهير والشعب فنحن نؤيدها، وسنكون اشد المعارضين مع ما يتعارض مع مصالح الشعب وتقدم البلد ومصالحه العليا، سواء كنا في البرلمان أو خارجه. لا يوجد شيء قاطع بمعنى أما معارضة أو موالاة أو تأييد. نحن معارضون لكل ما يسيء للشعب وتقدم الشعب، لكل ما يشوه الديمقراطية ومعاني الديمقراطية. معارضون لكل ما يعرقل العملية السياسية في تحقيق أهدافها في بناء عراق ديمقراطي تعددي برلماني اتحادي مستقل، ومناصرون لكل ما يسعى أو يؤدي إلى تحقيق طموحات الشعب، هذا ما سنعمل عليه.




 وانتم تقفون على عتبة العيد السادس والسبعين وتستعرضون ما تحقق من إنجازات وإخفاقات، وتستشرفون المستقبل، ما هي الكلمة التي توجهونها للشيوعيين وأصدقائهم؟



نثق بالناس وبالنفس ونتفاءل بالمستقبل

–  نحن دائماً وفي كل المناسبات نفحص تجربتنا وكما قلت في البداية، ونستخلص الدروس. فما علينا إلا أن ننتقل من عملية التحليل والبحث والتشخيص الى تحويل ما نعتقده صحيحاً إلى أعمال، واعتقد ان الشيوعيين الذين استطاعوا ان يصمدوا 76 سنة قادرون ان يحولوا ما يستنتجونه وما يتوصلون اليه من حلول وقناعات، الى أفعال وممارسة. إننا ننطلق من الثقة بالناس، والثقة بأنفسنا والتفاؤل بالمستقبل، وهذا يتطلب منا المزيد من الإصرار والجرأة والتماسك والوحدة كي نواصل المسير بكفاءة.
لم نشارك دائماً في السلطة، ولم نعش دائماً في العلن فأغلب تاريخنا كان خارج السلطة، مجبرين على العمل السري.أما الآن فالوضع يوفر لنا فرصة العمل العلني وان ننشط في ظروف سياسية انسب، وافضل من أيام الشؤم والاستبداد، والدكتاتورية. علينا ان نستفيد من هذه الفرصة التاريخية استفادة كبرى لمصلحة نشر أفكارنا وتعزيز قواعد انتشارنا الجماهيرية وبناء تنظيماتنا على أساس صحيح. لنضمن لها الفاعلية والقدرة على التحرك وعلى الإنجاز وعلى مواجهة العراقيل والصعوبات، وهي ليست قليلة، كما أشرت سابقاً، بل هي تتعدى العراق إلى الخارج في التعامل مع الناخبين. لقد نشرت الجريدة أمثلة على تزوير إرادة ناخبي الخارج الذين عبروا عن احتجاجهم على تجاوزات المفوضية وتلاعبها بما في ذلك التحايل.

لكن إرادة الشيوعيين ستبقى قوية وأصيلة ومتفانية في خدمة الشعب والوطن من اجل تحقيق السيادة الكاملة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والحضاري لكادحينا ولسائر أبناء شعبنا.

وكل عام والشيوعيون بألف خير وهم في مقدمة المناضلين لخير الشعب، لا ينتظرون منحة من أحد ولا يقدمون ما يقدمونه بمنة على الشعب. نحن نفعل ذلك بقناعة وإخلاص وصدقية، وما نقدمه سنحصد ثماره ان لم يكن الآن ففي المستقبل. 



 
طريق الشعب 30 مارس 2010