المنشور

في الوعي النهضوي الأولي (1 – 2)

تعطينا كتابات المثقف السعودي إبراهيم البليهي مادةً في رؤية خطوات الوعي في اكتشاف الواقع، المواد التي يكتبها والمتناثرة هنا وهناك مقالات وكتباً، مشحونة بهواجس النهضة والتغيير والبحث عن خطوات التحول الممكنة في واقع صلد قاس.
لقد أدرك أن النهضةَ بدأتْ بعيداً ومبكراً في الجزر اليونانية، هناك حدثت خطواتُ البشريةِ الأولى نحو التعدديةِ وتشكيلِ الدساتير وحقوق المواطنة.
وهو كباحثٍ نهضوي في واقعٍ سعودي يمسكُ الخيوطَ الأولى البسيطةَ الصعبةَ في ذلك المسار البشري، وموقعهُ الاجتماعي هو الذي يدفعهُ لاستلالِ تلك الخيوطِ الرقيقةِ الرهيفةِ من الوعي الإغريقي أو الحداثي عامةً.
إبراهيم البليهي، هو إبراهيم بن عبدالرحمن بن سليمان البليهي فيلسوف ومفكر وكاتب سعودي بارز محسوب على التيار التنويري في المملكة العربية السعودية وعضو في مجلس الشورى، ينتمي الى أسرة عريقة من محافظة الشماسية من الوادعين من قبيلة الدواسر ولد في محافظة الشماسية في منطقة القصيم عام 1363هـ. يحمل شهادة في الشريعة الإسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (موسوعة ويكيبيديا).
هذه النشأة الاجتماعية القبلية وهذا الدرس الديني لم يتضادا مع أفكاره الديمقراطية الليبرالية:
(دار حوله جدلٌ كبيرٌ فهو ابن المدرسة الدينية السلفية التقليدية ويقدم أفكاراً ليبرالية تقدمية تتناقض في كثير من مضامينها مع اعتقادات ومبادئ المدرسة الوهابية في السعودية. له آراءٌ جريئةٌ في نقدِ الفكر العربي والإسلامي، ومواقف ايجابية تجاه الحضارة الغربية ودورها البارز في التأسيس لنقلةٍ كبيرة على مستوى الوعي. لديه العديد من النظريات الفلسفية التي اطلقها من خلال كتاباته ومقابلاته. ومن مؤسسي المجتمع الليبرالي السعودي، وهو صاحب مقولة “أنا مسلم مبادىء وليبرالي آليات”. مُعجبو المفكر البليهي يطلقون عليه “قائد نهضة التنوير”. كما قدم للمكتبة السعودية والعربية عدة أبحاث كـ “القيادة والانقياد” و”العقل البشري” و”عبقرية الاهتمام” و”العلم” و”مهارة الأداء” و”الكلال المهني”)، (السابق).
هناك ثيمة أساسية في العديد من المواد المعروضة له في الصحافة خاصة، تتوجه لذلك الخيط الحداثي، فهو كالقطار الذي يمشي على تلك السكة في اتجاه واحد رئيس، في قراءته للتجربة الديمقراطية اليونانية المبكرة تلك يستخلص الخيط الضوئي التقني المطلوب في تصوره لعملية نهضة أخرى في الجزيرة العربية الذي هو إحداث التحريك العقلاني الفاعل لدى النخب والناس، كي يغدو المثقف: (منشغلٌ بتحريك العقول وإثارتها وحفزها إلى التساؤل والتحليل والمراجعة والإهابة بالناس بعدم الوثوق المطلق في أية معرفة بشرية، فمعارف البشر تظلُ ناقصةً مهما تعددت وسائل التحقق، لقد لاحظ الفلاسفة أن الناس يثقون ثقة مطلقة بالمعرفة التلقائية التي تشربوها من بيئاتهم فهم في كل الثقافات مأسورون بالجهل المركّب)، من مقالة (العنصر الفعال في الوعي الفلسفي، جريدة الرياض 11/ 10/ 2009).
لا يتوجه البليهي نحو الظروف الاجتماعية المركبة التي أسست النهضة الديمقراطية الإغريقية وأهمها ظهور طبقة وسطى حرة، بل يركز في العناصر العقلية المستقلة كإلغاء الآثار المسبقة لتربية الأنظمة المتخلفة والاستبدادية، وهذه العناصر الثقافية المهمة لكن المعزولة عن التركيبة الاجتماعية، تسيطر على بؤر خطاباته الفكرية بشكل واسع. ومن هنا يحرض بشكل مستمر على هدم الخلفية الثقافية الجامدة، التي يسبح الناس في بحيرتها الراكدة مثل التلقي المصدق بكل فكرة، وبكل أسطورة، وبكل نظرية جديدة ربما، فالعقل من رأيه أن يكون أداة مستقلة ذات تحليل ورصد بغض النظر عن النتائج التي تتوصل إليها.
لكن كيف يمكن للناس أن يحصلوا على أدوات التحليل العقلانية وهم يعيشون في الأمية والظروف الاقتصادية السيئة والعادات السلبية ولا يُسمح لهم من قبل الحكومات وشيوخ الدين بأن يفكروا باستقلال؟
هو لا يناقش الخرائط الاجتماعية والاقتصادية التي أسرت الناس عبر قرون، بل يناقش نتائجها، وأنه من الضروري أن يتواصلوا مع التجربة اليونانية وامتداداتها في تجربة أوروبا الغربية وفي النهضة الحداثية الغربية العالمية الآن.

صحيفة اخبار الخليج
27 مارس 2010