المنشور

الخليج وأصداء التجربة الإيرانية


عبرت إيران والسعودية من بين دول الخليج والجزيرة العربية خاصة، عن المسار النفطي الواسع التدفق بعد فقر مدقع.
بلدان كبيران عاشا زمنين تقليديين طويلين، ثم اندفعا في التحديث عبر حراك الدولتين المطلق.

تجربتا المحافظة الدينية في بلدين، تحمسا لها، ثم وجدا أنفسهما في موقفٍ آخر، ليس هو الحماسة، فيه اضطراب، وفيه حيرة، وفيه بحث! لكن إلى أين وكيف؟
ضخامةُ كلِ بلد، والعددُ الكبيرُ للشعب، وجذورُ الفقرِ الطويلة، والقفزةُ التي قام بها كل بلدٍ منهما إلى أجوازِ الفضاءِ الحضارية، وقدماه متشبثتان بالتراب وبالصحارى وبالهضاب القاسية! كلها أشكالٌ متماثلةٌ في الخطوطِ العريضة للتاريخ!

رغم أن جذورَ الشعب الإيراني مرتبطةٌ بشكلٍ أكبر بعملياتٍ نهضويةٍ ضخمة عبر التاريخ، وكذلك فإنه راكم ثمارَ هذه التجارب التاريخية النهضوية الطويلة داخل بلده وبين مؤسساته الدينية والاجتماعية المختلفة.

ومع هذا فإنه على ضخامةِ تاريخه، وغزارةِ أموالهِ المتدفقة من آبار النفط، لم يستطعْ أن يدمجَ جذورَهُ الراسخةَ الطويلة بثمارِ الحضارة الحديثة، ودخلَ في عراكٍ تاريخي حادٍ ضار مع العصر، خسر فيه الكثير من السنوات، ومن الدماء، ومن الجهود التي ضاعت هباءً!

وتجلى ذلك عنفاً وعبر خندقين ضاريين: الماضي المُحافظ عليه بكلِ صلابةٍ حادة رهيبة، من جهة، وحداثةٌ هشةٌ صغيرة تريدُ أن يُسمحَ لها بالبقاء وبالتجذر وبإعطاء فرصة لزرعِ آثارِها المفيدة، كما تفعلُ أصغرُ الشعوب على الأرض، لكن المناجلَ المرهفةَ الحد تسارعُ في قطفِ الزهرات الرقيقة وحصدِ الرؤوسِ اليانعة بالفكر!
ولعبَ الدورَ البالغ في تصعيد التقوقع الداخلي الشمولي من كان يُفترض أن يكونوا قادة النهضات ورسلَ التحرر والانفتاح والحداثة!

المفكرون هم زهراتُ الشعوبِ وذروةُ تطورِ معرفتِها، فثمة أناسٌ قلة يظهرون وتتركز فيهم شعيراتُ التبصرِ والرؤية ويرهفون الأسماعَ لخطى التاريخ، وحراكه الدامي، ويحدسون بمواقع الصدام الرهيبة المنتظرة ويشيرون إلى الدروب الأكثر سلاماً!

لكنهم لم يظهروا في تجربة الشعب الإيراني حتى بتلك الندرة المؤثرة، في ظل هذه التجربة الغنية الوافرة بالمبدعين والمتصوفين والعلماء، فماذا يمكن أن يحدث في تجربة الجزيرة العربية؟! وخاصة في السعودية أكبر هذه البلدان وأحفلها بخامات الثروات الوفيرة، وبساطة السكان؟!

عاشت السعودية في بقاع الجزيرة العربية الجرداء غالباً، وكانت المدنُ مصابيح صغيرةٌ نهضوية في محيط من الرمال، ثم اندفعت الحياة والحداثة وتعملقَ القديمُ بجبروتٍ واسع، وترددت الأجهزةُ الحكومية بين تأييد الحداثة زمناً وامضاً، ودعم القديم بكل قواه وهياكله العظمية غير المجددة، وهياكله الهائلة المُجددة!

سنقومُ بتحليلِ مواد محددة لقوى الحداثة والتقليد، متناثرة في أشكال الوعي من أدب وفكر ودين، لنقرأ بطائنها الداخلية، وماهيات هذه الحداثة المتحدث عنها كثيراً، وهذه الليبرالية ومدى ليبراليتها، لنحاول رؤية العملاق التقليدي المهيمن الذي لم ينقض بعد على الزهرات الصغيرة من الحداثة.

لا شك ان تناقضات التجربة التحديثية السعودية أكبر من تناقضاتها في إيران، كما أن طبيعة مذهبية الحصار والمحافظة الشديدة متماثلتان، لكن السعودية تمتلك أدوات تغيير مختلفة، وقد ارتبطت بالغرب التحديثي، في شكلٍ كانت فيه بدايةً معاداة كبيرة، لكنها معاداة تغيرت كثيراً، وحدث اندماجٌ مهم في التحديث، رغم بقاء الطبقة السفلى الشعبية من الواقع التقليدي في ظل القديم المعادي العنيد للحداثة.

بلدان يمثلان مستويين قاريين يتعرضان لحراك زلزالي وشعوب كثيرة تعيش في منطقة الزلازل هذه، فإلى أين؟
 
أخبار الخليج 25 مارس 2010