المنشور

العبرة في النهايات


النهايات التي تختتم بها بعض مباريات كرة القدم تحمل مفاجآت تحض على التبصر في حقيقة أن لا منطقاً واحداً، معيارياً، به تجري الأمور، حين نفاجأ في الدقيقة الأخيرة وربما في الثانية الأخيرة منها بهدف يحققه أحد الفريقين، وكثيراً ما يحدث أن يكون الفريق الأضعف أو الأقل كفاءة في الأداء طوال شوطي المباراة، فتنقلب النتيجة وتخيب التوقعات والرهانات التي تشكلت لدى المتفرجين ومعلقي الرياضة.

ولعل حقيقة أن النتيجة تظل مغفلة أو مجهولة حتى إعلان الحكم لنهاية المباراة هي مصدر ذلك التوتر الذي ينتابنا نحن أيضاً كنظارة محايدين، أو أقرب إلى الحياد، لأننا إما نريد أن تنتهي المباراة بهدف يقلب المعادلة، أو أن تنتهي دون أن تدخل كرة في شباك الفريق الذي نشجع والذي أصبح في موضع التفوق تجعله مهزوماً.

وفي الحالات التي ينهزم فيها فريق كرة قدم كان متفوقاً طوال المباراة وكان مقدراً له الفوز، لولا أن الحظ يخونه في اللحظات الأخيرة، يكثر المعلقون والنقاد الرياضيون من قول الجملة الأثيرة: «في كرة القدم كل شيء ممكن» للتهوين في أمر الخسارة التي حدثت، وللبرهان على أن المفاجآت غير المنتظرة يمكن أن تلغي كل الحسابات والخطط.

هذه الجملة صحيحة ليس فقط في كرة القدم وحدها، وإنما في مجالات أخرى كثيرة. ففي السياسة كل شيء ممكن ووارد، وفي الاقتصاد كذلك. وبالأحرى ففي الحياة بإطلاقها كل شيء ممكن، ولا شيء مستحيل. حتى الأمور التي تبدو عصية ومستحيلة للوهلة الأولى أو لا تخطر على البال، تصبح في لحظة من اللحظات، في نهاية من النهايات، ممكنة وأمراً واقعاً.

والتسلح بمثل هذه القناعة يعين على فهم أكثر واقعية للحياة، ويشكل لنا حصانة معنوية، دفاعاً معنوياً بوجه ما قد تأتي به هذه الحياة من مفاجآت. بل لعله يحثنا على المزيد من اليقظة، والأخذ بالنصيحة الذهبية للشاعر العربي القديم القائل «لا تغرنك من دنياك غفلتها».

في الحياة إذن، كما في مباريات كرة القدم، كل شيء ممكن، وإذا كنا بإرادتنا ووعينا قادرين على أن نقرر النهايات الملائمة للأمور، فعلينا أن نضع في الحساب دائماً دور المصادفات والعوامل التي ليست في الحسبان أبداً، والتي قد تفسد في لحظة من لحظات تجليها كلما أُعدت له العدة.

لله در القائل: «الشاطر من يضحك في الآخر»، والعبرة، أولاً وأخيراً، ليست في البدايات التي قد تشهد صعوداً أشبه بصعود الصواريخ، وإنما العبرة في النهايات، ونحن نعلم من واقع التجربة انه كلما كان الصعود سريعاً، فان قوة الارتطام الناجمة عن هبوط الساعد تكون مدوية أكثر من سواها.