المنشور

«الرباعية».. وساطة سلام وسط طبول حرب

جرت وتبدلت مياه كثيرة في الشرق الأوسط منذ أقر العرب في قمتهم الرابعة عشر في 27 – 82 مارس/ آذار 2002 خطة السلام العربية للتسوية في الشرق الأوسط بمبادرة من ولي العهد السعودي، الملك الحالي عبدالله آل سعود. لأول مرة أجمع العرب على خطة مشتركة للتخاطب مع العالم حول قضاياهم، وأهمها القضية الفلسطينية. غير أن العرب سرعان ما تخلوا عن مبادرتهم بالكامل لصالح مقترحات الرئيس الأميركي السابق جورج بوش التي قدمها في نفس العام حول التسوية النهائية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة حتى العام .2005 وقد لقيت مقترحات بوش تأييد الرباعي المشكل من أميركا، روسيا، الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي. وفي 30 أبريل/ نيسان طرحت الرباعية ما سمي بخارطة الطريق التي أكدت على التسويات المرحلية وصولا إلى النهائية أيضا حتى العام .2005 وقد وافق عليها الطرف الفلسطيني كلية، أما الإسرائيلي فأيدها عموماً، محتفظا بحق إدخال تعديلاته مع سير المفاوضات. وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2007 طرح الرئيس محمود عباس لأول مرة مطالب الفلسطينيين للتسوية بشكل محدد، وذلك بانسحاب إسرائيل التام من الأراضي المحتلة العام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة بمساحة تغطي 6205 كلم مربع. وتوالت الأحداث حتى مؤتمر أنابوليس الذي اتفق بنتيجته عباس وألمرت على استئناف المفاوضات بينهما على أساس خارطة الطريق. غير أن خارطة الطريق نفسها تلاشت وحلت محل العملية السلمية حروب: فلسطينية – فلسطينية وإسرائيلية – لبنانية وإسرائيلية فلسطينية بدعم أميركي قوي لإسرائيل. ومنذ مجيء الليكود بزعامة ناتانياهو في 31 مارس/ آذار 2009 لم تستأنف مفاوضات السلام رغم الحديث الأميركي عنها.
بدا واضحاً أن الأوضاع الحالية قد أبعدت احتمالات عقد مؤتمر موسكو حول التسوية في الشرق الأوسط الذي كان قد اقترحه منذ العام 2005 الرئيس الروسي ف. بوتين آنذاك من أجل أن تسهم موسكو بثقل في إحداث تغيير إيجابي جدي في مسار عملية السلام. وللعودة إلى فكرة المؤتمر بادرت روسيا إلى دعوة ‘’الرباعية’’ للقاء في موسكو يوم الجمعة الماضية في وقت بدا فيه التوتر في المنطقة على أشده. كانت ممثلة الاتحاد الأوروبي كاترين إيشتون قد وصلت إلى موسكو قادمة من غزة. وحسب كلماتها فإنها تحمل إلى لقاء ‘’الرباعية’’ تفهم ضرورة الإسراع في فك الحصار المضروب حول الفلسطينيين. مساء الخميس بحثت هيلاري كلنتون هاتفياً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو ‘’الخطوات الملموسة التي يمكن اتخاذها لتحسين ظروف التقدم نحو السلام’’. لم تمض ساعات على حديثها حتى وجه الطيران الإسرائيلي ضربات جوية لما لا يقل عن ستة أهداف في قطاع غزة. وقال المعتدون الإسرائيليون إن هذه الغارة جاءت رداً على القصف الصاروخي للمناطق الجنوبية الإسرائيلية انطلاقاً من أراضي غزة صباح الخميس.
غير أن أصل تصعيد التوتر يعود إلى إعلان الإسرائيليين نيتهم بناء 1600 وحدة سكنية للنازحين اليهود في القدس الشرقية أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركي بايدن إلى المنطقة، والتي أكد فيها على ضرورة بدء المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية غير المباشرة. وكان ذلك بمثابة فتيل صاعق أشعل موجة احتجاجات فلسطينية تنذر بانتفاضة قادمة تحاول الشرطة الإسرائيلية قمعها بالقوة. وقد اعتبر الأميركيون هذا الإعلان إهانة لهم، وشبَّه السفير الإسرائيلي في أميركا م. أورين الخلاف الحالي بأزمة العام ,1975 عندما طلب وزير الخارجية الأميركي آنذاك هنري كيسنجر من رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين أن يسحب قواته من شبه جزيرة سيناء. لكن الأميركيين هذه المرة سرعان ما بلعوا ‘’الإهانة’’ بعد تحرك منظمة الإيباك الصهيونية في أميركا. عاد الأميركيون للتأكيد على متانة العلاقة الأميركية الإسرائيلية.
أدانت الرباعية قرار إسرائيل بالتوسع الاستيطاني واعتداءاتها على غزة وحصارها ضد الفلسطينيين. لكن الواضح هو أن الإسرائيليين لا يريدون تنفيذ مطالب ‘’الرباعية’’ بوقف البناء، وأن التراجع الوحيد الذي يقدمونه هو فقط إصدار وزير الدفاع إيهود بارك عشية لقاء ‘’الرباعية’’ أمره بفك الحصار المضروب على الأراضي الفلسطينية منذ 12 مارس/ آذار الجاري، وإلغاء التحديدات المفروضة على زيارة المسلمين للقدس القديمة.
حاول وزير الخارجية الروسي لافروف إرسال رسالة جدية من موسكو قائلاً ‘’ينص إعلان موسكو بوضوح على عدم جواز أية أعمال انفرادية يمكن أن تؤدي إلى اعتراض اتفاق الأطراف ذاتها حول مسألة الوضع النهائي’’، ‘’نحن على قناعة بأن الجميع في إسرائيل سيسمع وسيفهم هذا على النحو الصحيح’’. كما شدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على أن المجتمعين في الرباعية أكدوا من جديد عزمهم الاستمرار في التشاور من أجل عقد مؤتمر موسكو للشرق الأوسط في الظرف المناسب تمشيا مع استئناف الطرفين المعنيين المفاوضات المباشرة بينهما. لكنه لم يضرب موعداً محدداً لذلك. وقد أُعطي الإسرائيليون والفلسطينيون مهلة 24 يوماً من أجل استئناف المفاوضات. ودعا البيان كل المجتمع الدولي إلى مساعدة الفلسطينيين في بناء دولتهم المستقلة.
رغم كل انتكاسات عملية السلام يوجد هناك من يساعد العرب على تحسين شروط تفاوضهم شريطة أن يوحد الأخوة الفلسطينيون صفوفهم، وأن يتوحد العرب في موقفهم من جديد، داعمين لأشقائهم الفلسطينيين من أجل انتزاع حقوقهم المشروعة في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم الوطنية المستقلة، ومن أجل إحلال سلام عادل ووطيد في المنطقة.
 
صحيفة الوقت
22 مارس 2010