المنشور

فؤاد زكريا

لا يمكن كتابة سيرة النهضة الثقافية والأكاديمية في الكويت في عصرها الذهبي الذي تلى مرحلة الاستقلال وإقرار الدستور، دون الوقوف أمام اسم الدكتور فؤاد زكريا الذي كان علماً من أعلام جامعة الكويت، وممن تركوا بصماتهم القوية في مشروع النشر الثقافي العربي الطموح الذي ميز الكويت حتى اليوم، من خلال الدوريات وسلاسل الكتب التي تصدر عن الجامعة وعن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
في تلك الفترة استقطبت جامعة الكويت نخبة من خيرة الأكاديميين ومفكري التنوير في مصر بشكلٍ رئيسي، وكان اسم أستاذ الفلسفة فؤاد زكريا في مقدمتهم.
لم يكن فؤاد زكريا يُلقن طلبته النصوص الفلسفية، وإنما كان على التفكير الحر يحرضهم ويدربهم، فيبدأ محاضراته مخاطباً طلبته بالقول:»لا تعتقدوا أني أُعلمكم الفلسفة بمعنى المذاهب والمدارس والأفكار التي يزخر بها تاريخها، إنما أُعلمكم التفلسف، فكروا بأنفسكم، قفوا على أقدامكم».
هذا ما ينقله عنه زميله الدكتور عبدالغفار مكاوي، وهو يكتب عنه، ضمن مجموعة من الكتاب والباحثين، احتفوا به في عددٍ من مجلة «إبداع» كرسته للاحتفاء بزكريا الذي يحمل فوق كتفه سنواته الأربع والثمانين، دون أن يفقد يقظة الذهن وحيويته، رغم أن المرض والسن أقعداه عن الكتابة.
وسبق لزكريا أن كتب مرثية للتنوير، تعبيراً عن خيبة أمله لما آلت إليه الأمور في العالم العربي، هو الذي خاض السجالات الفكرية، انتصاراً لحرية العقل، ومن أجل إشاعة الحس النقدي، داعياً لتأسيس لثقافة الحوار الحر القائم على التسامح والاختلاف والاحترام المتبادل للرأي والرأي الآخر.
تمكن فؤاد زكريا من الفلسفة، من تاريخها ومادتها ومناهجها ومدارسها، وهو تمكنٌ لم يبلغه إلا القلة من الأكاديميين في عالمنا العربي، وعلى يديه تخرج العديد من أساتذة الفلسفة في مصر والكويت وسواهما من البلدان العربية، ونجح فيما لم ينجح فيه إلا القلة أيضاً، وهو تلك البساطة الساحرة في لغته، البساطة العميقة، مهما بدا هذا التعبير منطوياً على مفارقةٍ ما.
وهو صدر مقالته في مجلة «الفلسفة والعصر» في عام 1999 عن الوضوح والغموض في الكتابة بمقالة لأحد أساتذة الفلسفة الكبار فحواها: «كل ما يمكن أن يقال على إطلاقه يمكن أن يقال بوضوح»، وفؤاد زكريا في هذا ينبذ ما يدعوه الغموض المتعمد الذي لا ينم، في تقديره، إلا عن عدم إلمام المتحدث بما يتحدث عنه.
فؤاد زكريا المحرض على مرض اسمه الطاعة يهيمن على الأذهان العربية، فيسلب من أصحابها روح السؤال والشك والتمرد، ويعودها على الخنوع والاستكانة والتماثل مع السائد، والذي وضع، بأجرأ واوضح ما يمكن ما وصفت بـ «الصحوة الاسلامية» في ميزان العقل فحاججها بقوة المنطق لا بمنطق القوة، غفا غفوته الأخيرة ورحل عن دنيانا التي ستخلده فيها أعماله، التي لا يعنيها أن تشيع سكينة السكون والجمود، وإنما تشعل الأدمغة بأسئلة المعرفة التي لا ضفاف لها.
 
صحيفة الايام
22 مارس 2010