المنشور

نحيا أم نفنى؟

ثمة حكاية في التاريخ، حكاية حقيقية وليست متخيلة، عن سكان جزيرة تقع في قلب المحيط الباسيفيكي، هي جزيرة Easter Island ، استخدم سكانها مواردها الطبيعية الغنية من غابات ونخيل وبحر بإسراف وشراهة، مما مكن الجزيرة من أن تبلغ يوماً شأناً عظيماً، فراحوا يستثمرون فائض إنتاجهم في عمل تماثيل ضخمة لرؤوس بشرية ضخمة وبأعداد هائلة ولغرض غير معروف، غير أن الدكتور محمد رياض يرجح أن تكون هذه التماثيل تمجيد لآلهة أو حكام .
أدى استمرار قطع الأشجار من أجل بناء القوارب الكبيرة للصيد البحري في عمق المحيط إلى نفاذها من الجزيرة وتصحر التربة إلا من الأعشاب. النتيجة أن السكان فقدوا موارد غذائهم الأساسي من البحر العميق وتقاتلوا على ما تبقى من موارد محدودة على الشاطئ، وبنتيجة الحروب تناقص عدد السكان الذين كانوا يبلغون نحو خمسة عشرة ألف نسمة يعيشون في بحبوحة إلى نحو ألفين فقط يعيشون في فقر مدقع حين وصلتها السفن الأوروبية في عهد الكشوفات في القرن الثامن عشر.
حكاية هذه الجزيرة تُساق مثلا على ما يمكن أن يؤدي إليه الاستهتار في التعامل مع البيئة المحيطة وما تحتويه من ثروات، فسكان الجزيرة لم يدر في خلدهم أبدا وهم يقطعون الأشجار بدون حساب لبناء السفن أن هذه الأشجار عرضة للنفاد .
الدكتور محمد رياض ساق هذه الحكاية قي كتابه الذي يحمل عنوان: «نحو خريطة جديدة لمصر»، الذي أراد به أن يقترح صورة أخرى مستقبلية لبلاده مصر، متوقفاً بشكلٍ جلي أمام المشاكل التنموية والبيئية والاجتماعية فيها، والتي هي نفسها الموجودة في بقية بلداننا العربية بنسب متفاوتة، تزيد هنا وتقل هناك.
وكأي باحثٍ جاد فان الكاتب يرسم صورة معقدة للوضع الناشئ في العالم اليوم، وهو يتساءل عن مدى جدية الفرص المتاحة أمام الدول النامية لكي تلحق ببقية العالم، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن متوسط دخل الفرد، سنوياً، في الدول الغنية، قبل سنوات قليلة فقط، بلغ نحو 26 ألف دولار مقابل ما يتراوح بين 400 الى4000 فقط دولار في الدول النامية حسب درجة نموها.
ويدور الحديث الآن عن ما يزيد عن مليارين من البشر يعيشون في عشوائيات لا تليق بحياة البشر، وفي بعض البلدان في آسيا وإفريقيا وأمريكا الوسطى فان الفرد يعيش على نحو دولار واحد فقط في اليوم .
إن النمو الكاسح للبلدان المتقدمة يحقق وتائر من التقدم والرفاهية غير المسبوقة في الجزء الشمالي من هذا العالم، لكنه يدفع سكان الحيز الأكبر من الكوكب نحو المزيد من الإفقار، مستنزفاً ما تبقى في البيئة المحيطة من ثروات لا يُعاد تكوُنها، كما هو حال الأشجار التي نفدت في الجزيرة، مما أدى إلى اقتتال السكان وهلاكهم، مما يجعلنا نتساءل ما إذا كان هذا العالم سائر نحو الفناء، بدل أن يوفر لأبنائه سبل الحياة.
 
صحيفة الايام
20 مارس 2010