المنشور

هكذا أصبح حال الشعب الفلسطيني اليوم

لم يتبق شيء من الأساطير والخرافات اليهودية الصهيونية غير مطبق على الأرض الفلسطينية العربية، ولم يسلم حتى الحرم الإبراهيمي من الادعاء بتصنيف المؤسسة الصهيونية الحاكمة له ضمن التراث اليهودي، دع عنك المساس بالمسجد الأقصى واستمرار التنقيب بجواره للبحث عن الهيكل المزعوم، وكلما نقبوا في مكان فقعت أعينهم لقيات من الآثار ولسان حالها يقول: “الأرض تتكلم عربي”. لكن من يتصدى اليوم لهذه العجرفة الصهيونية من الهرطقات والأساطير التي يفرضها الاحتلال الغاشم بقوة السلاح والقمع الاستبدادي ضد الشعب الأعزل؟
لا أحد من العرب والمجتمع الدولي سوى الفلسطينيين المدنيين البسطاء الذين يواجهون سلطات الاحتلال يوميا بصدورهم العارية للحيلولة دون ترجمة مخططاته الاستيطانية والاساطير الصهيونية على أرض الواقع.
وأنت لا تتعجب إذا ما وقف المجتمع الدولي صامتا متفرجا على تلك الإجراءات غير المشروعة دوليا التي تمارسها إسرائيل كسلطة احتلال في الأراضي العربية المحتلة عام 1967 إذا ما كان كذلك هو الموقف العربي نفسه، أي التفرج واللوذ بالصمت المتخاذل، وليس لأحد من الفلسطينيين الحق أن يستنكر اليوم هذا الموقف العربي الرسمي المتخاذل في ظل غياب الموقف الفلسطيني الموحد، وفي ظل غياب المؤسسة التمثيلية الرسمية الموحدة المتماسكة (منظمة التحرير الفلسطينية)، وكل ذلك بفعل الصراع العبثي المرير المدمر بين الفصيلين الرئيسيين: فتح والسلطة من جهة وحماس من جهة أخرى على السلطة وتقاسم مناطق النفوذ، وفي ظل استفراد قادة فتح الرسميين بالسلطة الفلسطينية واستبعاد الفصائل الوطنية الأخرى من الحوارات ونبذ الائتلاف الجبهوي داخل بنية السلطة الفلسطينية وفي مؤسسات منظمة التحرير، فالشمولية “الفتحاوية”، ممثلة على وجه الخصوص في مؤسسة الرئاسة، حولت السلطة الفلسطينية إلى سلطة استبدادية بامتياز، فليس لديها مشروع جاد لبناء جبهة وطنية ديمقراطية من قبيل الجبهة الوطنية في الداخل في سني ما قبل الخروج من بيروت عام 1982، إبان الكفاح المسلح من الخارج، وهي لا تملك ولا تريد أن تملك بديلا لمواجهة تعنت سلطة الاحتلال لتحرير الأرض الجاثم عليها سوى المراهنة على المفاوضات، ثم المفاوضات، ثم المفاوضات، ولا شيء سواها حتى بعد مضي 17 عاما على استمرار العجرفة الإسرائيلية وتنكر إسرائيل لكل التعهدات التي قطعتها أمام المجتمع الدولي في اتفاقيات أوسلو التي وقعتها مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 ثم اخلالها باستحقاقات خريطة الطريق.
إن الشعب الفلسطيني بات اليوم بكل معنى الكلمة واقعا بين مطرقة الاحتلال وسندان الصراع الفتحاوي ــ الحمساوي على سلطة صورية شكلية محاصرة بسلطات الاحتلال من جميع جهات الأراضي التي تقع تحت سلطتها، وحتى إدارة سلطة شكلية صورية لخدمة الشعب المطحون المعذب أثبت كلا الفصيلين فشله الذريع بامتياز في تحقيق أدنى شيء ملموس من التجرد والنزاهة من الخدمات لصالح شعبهما، إن تحت سلطة فتح في رام الله وإن تحت سلطة حماس. فالجزء من الشعب الفلسطيني المعذب الواقع تحت سلطة عباس في الضفة الغربية ابتلي بسلطة قمعية فاسدة ومفسدة، والجزء الواقع تحت سلطة حماس في قطاع غزة ابتلي بسلطة شمولية دينية أقل فسادا لكنها استبدادية دكتاتورية لا تتورع عن تنفيذ طموحاتها وأحلامها السياسية الدينية بفرض إقامة إمارة إسلامية متطرفة موغلة في الغلو والتزمت الدينيين كنموذج أو بروفة للسلطة التي ترنو إلى الاستحواذ عليها بإقامة نظام إسلامي فلسطيني إذا ما تحققت معجزة التحرير والاستقلال الناجز. وهي بذلك تضرب التعددية الثقافية والاجتماعية التي تتميز بها تركيبة الشعب الفلسطيني في القطاع بعرض الحائط، وما عليك سوى النظر في تصرفاتها بفرض زي إسلامي موحد للطالبات في المدارس، دع عنك تصرفاتها ومحظوراتها السياحية المتشددة في السواحل والفنادق.
وإذا كان كذلك الحال لوضع الشعب الفلسطيني المجزأ داخل القطاع وداخل الضفة، فأوضاعه في الشتات العربي والدولي ليست أفضل حالا، بل مرائر ومآس متفاقمة يعيش في ظلها وإن كانت من نوع آخر، وبخاصة طبقاته الدنيا الرازحة في مخيمات اللجوء بالدول العربية.. أما الجزء الرابض في أراضي 1948 (حملة الجنسية الإسرائيلية) فهم يكابدون كل أشكال صنوف العذاب اليومي من جراء إجراءات الممارسات العنصرية التمييزية والاستبدادية التي لم يشهد لها مثيل في التفاقم منذ إقامة إسرائيل على أرضهم عام 1948 بالاغتصاب والقوة الغاشمة.

صحيفة اخبار الخليج
19 مارس 2010