المنشور

عن حرية الرأي والتعبير

كتب غالي شكري مقالات كثيرة عن حرية الرأي والتعبير مدافعا كغيره من الكتاب والصحفيين عن هذه الحرية التي يجب ان تصان لاعتبارها حقا من حقوق الانسان وفقاً لما جاء في اعلان حقوق الانسان في مادته (11) التي تنص على: حرية تبادل الاراء والافكار هي اثمن حق من حقوق الانسان. لذلك يحق لكل مواطن ان يتكلم ويكتب ويطبع بحرية على ان يكون مسؤولاً عن امساءة استعمال هذا الحق في الاحوال المحدودة في القانون.
مشكلة حرية الرأي في المنطقة العربية مشكلة اساسية على طول التاريخ العربي وبالتالي فجذور هذا المشكلة تعود كما حددها “غالي” الى مراحل قديمة وحديثة، ولعل ابرز هذه المراحل مرحلة الاستعمار التي عانت تلك المنطقة في تاريخها الحديث الى ويلاته بمختلف اطواره، ومن هنا خلق المستعمر الاوروبي لهذه المنطقة موقفا معيناً من حرية الفكر والتعبير، ذلك ان بقاءه في المنطقة كان يعتمد على الترويج لايديولوجيته الخاصة التي تتناقض مع مصلحة الشعب. وكما كانت السلطة في معظم الاحوال في ايد المستعمرين فقد ظل موقف الدولة من حرية الرأي هو موقف هذه السلطة.
وبالاضافة الى ذلك، يقول ان النهضة الفكرية العربية لاقت العنف والاذلال من جانب بعض الفئات العربية التي تستند اساسا الى نظم موغلة في التخلف والعداء لجوهر كل نهضة وتقدم، ومن الطبيعي ان يلتقي موقف هذه الفئات مع الاستعمار من حرية الرأي والتعبير، الا ان هذا الموقف لا يعني انعدام التناقضات بين بعض القوى المحلية والاستعمار الاجنبي، وان هذه التناقضات كانت احدى الثغرات التي ينفذ منها كفاح المناضلين من اجل الحرية.
في هذه المقالة القيمة، تحدث “غالي” عن مصر التي كانت وعلى صعيد “الحرية الفكرية” مشعلاً مضيئاً للمنطقة العربية ولا سيما بعد ان تأثرت بعصر النهضة الاوروبية وبالفكر الثوري الاوروبي وعن البذور التي جلبها رفاعة الطهطاوي واحمد فارس الشدياق وغيرهما، الا ان وبالرغم كل هذه التأثيرات التي خلقت مناخاً لهذه الحرية فان نباتات هذه البذور لم تعرف النمو والازدهار الا خلال المعارك العنيفة التي حدثت فيما بعد بين رواد الحرية والتقدم من جهة، ودعاة التخلف والجمود من جهة اخرى.
رواد مصر الذين تخصصوا في الدفاع عن حرية الفكر والتعبير لا حصر لهم، ولعل ابرزهم كما يشير “غالي” سلامة موسى فهو الثوري الجامع بين الفكرة الديمقراطية والاجتماعية والاشتراكية، اي ان حرية الفكر بالنسبة اليه لا تنفصل عن الدعوة الاجتماعية الى الاشتراكية، وباختصار ان مفهوم هذه الحرية عنده ينبع اساسا من الفلسفة المادية.
وهنا يعرف “غالي” حياة “موسى” ويشير الى سهاماته الصحفية ودفاعه عن حرية الرأي والتعبير وبعض مؤلفاته وعند كتابه “مقالات ممنوعة” توقف “غالي” قائلاً: ان هذا الكتاب يذكرنا بقول احد الكتاب الفرنسيين عندما قال: ان كل سلطة تفسد والسلطة المطلقة هي الاستبداد، وقد يكون الاستبداد سياسيا او دينيا أو ثقافياً، فالمستبد السياسي يتولى الحكم بلا برلمان، وهو يمكر ويزيف الانتخابات البرلمانية كي يجد الكثرة الخاضعة التي تعينه على الاستبداد، والمستبد الديني على ان غيبياته يجب ان تكون المذهب الوحيد الذي يعم الدنيا، وان من يخالفه في العقائد الخاصة لا يجب ان يعاقب، والمستبد الثقافي يتحسس على ما نقرأه من كتب وما نفكر فيه من آراء، فيحاول يمنعنا من القراءة والتفكير؛ لانه مستبد ويجب ان نفكر مثله فقط. وكل هؤلاء المستبدون يحدثون فساداً في الامة ويمنعون تطورها ويجيرونها على ان تجمد كما جمدوا.
خلاصة القول ان اهم الاستنتاجات التي توصل اليها “غالي” ان إلحاح الفكر العربي الحديث في مصر وغيرها من البلاد العربية على قضية حرية الرأي والتعبير يكشف بجلاء عن عاملين اساسيين اسهما في تجسيد هذه القضية هما التقاليد غير الديمقراطية في اسلوب الحكم، والتخلف الحضاري الشديد الذي منيت به المنطقة منذ وقت غير قصير.
 
صحيفة الايام
13 مارس 2010