المنشور

يوم المرأة.. مئة وردة مئة عام


اليوم سيفوح على العالم عطر باقات الورود التي يجب أن تقدم إلى كل امرأة على وجه البسيطة، حيث يحتفل العالم في 8 مارس/ آذار من كل عام بيوم المرأة العالمي. إذا كنت واحداً من مئات ملايين الرجال الذين سيهنئون النصف الآخر فزيّن باقتك بزهرة الأكاسيا ‘الميموزا’ أكثر من غيرها، إذ هي تعتبر الرمز شبه الرسمي لعيد المرأة. وعليك أيضا أن تتذكر بأن هذا اليوم بالذات، الاثنين 8 مارس/ آذار 2010 يصادف الذكرى السنوية المائة على يوم 8 مارس/ آذار 1910م حيث بدأ التقليد بالاحتفاء به على مستوى عالمي.

وقبل أن نعود إلى هذا التاريخ لنذهب إلى أبعد منه. فوجود يوم يهنئون فيه النساء خصوصا، ويحاولون إسعادهن بكل الطرق ليس فقط من بنات أفكار القرن الماضي. وُجد مثل هذا التقليد حتى في زمن روما القديمة. لكن أي يوم بالتحديد، هذا ما ظل يصعب على المؤرخين تحديده. أما كيف استقر العالم فيما بعد على يوم 8 مارس/ آذار، فالشكر على ذلك موصول للاشتراكية الألمانية وعضو الأممية الثانية كلارا تسيتكين، التي أطلقت في العام 1889 شعارها العتيد ‘يا نساء العالم اتحدن’. وبعدها بثماني سنوات تشكلت بمبادرتها في مدينة شتوتغارد الحركة النسوية العالمية ‘مساواة’. ثم تقدمت كلارا إلى المؤتمر النسوي الاشتراكي العالمي الذي انعقد في العاصمة الدانمركية كوبنهاجن باقتراح أن يُحتفل بالثامن من مارس/ آذار من كل عام تحت الاسم الذي أعطاه إياه المؤتمر آنذاك – اليوم العالمي لتضامن النساء الكادحات في العالم في النضال من أجل المساواة مع الرجال.

وجاء هذا الاختيار إحياء لذكرى 8 مارس/ آذار 1857 الذي قامت فيه عدة مئات من النساء الشغيلات في معامل النسيج والأحذية في نيويورك، بحركة احتجاجية ومظاهرات نسائية خالصة لأول مرة. وقد طالبن بتحديد يوم العمل بعشر ساعات فقط وبتحسين ظروف العمل ومساواة المرأة بأخيها الرجل في الأجر. وقد فرقت الشرطة المتظاهرات، لكنهن عدن فاتحدن في نقابة شكلنها. ثم اكتسبت الحركة النسائية العالمية أشكالا نضالية سياسية أرقى. ومنذ العام 1911 أصبحت تعقد في 8 مارس/ آذار لقاءات عالمية سنوية من أجل إلغاء عدم المساواة الجندرية.

لقد ألهم انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا العام 1917 نساء العالم على التحرك من أجل نيل مساواتهن بالرجل سياسيا. وفي العام التالي فقط أحرزت نضالات المرأة العالمية نصرا بانتزاع حق جميع النساء في التصويت والانتخاب في ألمانيا، النمسا، المجر، تشيكوسلوفاكيا، بعد أن كان هذا الحق حكرا على نخب فقط من النساء الغنيات في بعض بلدان أوربا. أما الحركة النسائية الأميركية التي كانت أول من رفع هذه المطالب فلم تحققها إلا بعد سنتين في العام .1920
لم تصل ‘عدوى’ حقوق المرأة السياسية إلى عالمنا العربي إلا بعد قرابة ثلاثة عقود، حيث نالت المرأة في سوريا حق الانتخاب مشروطا بحصولها على التعليم الابتدائي. أما في الخليج، ورغم المطالبات المبكرة منذ مناداة السيدة بدرية خلفان إبان انتفاضة الخمسينات في البحرين فلم يبدأ حصول المرأة على حق أن تكون ناخبة ومنتخبة كما الرجل إلا في عقد السنوات الواقع على تخوم الألفيتين السابقة والحالية ‘عمان وقطر جزئيا، البحرين ثم الكويت’.
غير أن المفارقة هو أن مثل هذا التطور في الأنظمة السياسية لم يحدث عندما كانت القوى الديمقراطية والأفكار التقدمية أكثر تشربا في المجتمع، بل جاء متزامنا ومتعاكسا مع تحولات فكرية تميزت بتوسع نفوذ القوى السياسية الطائفية غير المناصرة لحقوق المرأة من جهة، والمنشغلة بالانقسام والتقاسم الطائفي بين ذكورها أساسا. في مثل هذه الظروف وُظف حق النساء في الانتخاب بنشاط ضد النساء أنفسهن، واللاتي عبئن للتصويت للمرشحين الرجال في انتخابات 2002 و2006 في البحرين وانتخابات 2006 في الكويت. وقد أدى الانقسام الطائفي في مجلس النواب البحريني في دورته الحالية إلى إقرار شق سني لقانون الأحوال الشخصية، من دون الآخر – الشيعي، ما أحدث تمييزا في وضع المرأة على أساس طائفي. أما في مجلس الشورى، حيث وصل عدد من النساء عن طريق التعيين فقد بينت مناقشات قانون العمل فيما يتعلق بالمرأة أن غالبية الشوريات في هذا الجانب تحديدا أكثر انحيازا لمصالح رأس المال منه إلى المرأة العاملة.

وتبدو القوى السياسية الطائفية الطاغية على الخارطة السياسية غير مؤهلة في الانتخابات البحرينية المقبلة لإفساح المجال للمرأة بين صفوفها إلا ربما برمزية محدودة لرفع العتب، وليس إيمانا بدور المرأة.
أما القوى الديمقراطية فلأسباب موضوعية وذاتية قد لا تكون قادرة على إيصال المرأة بوزن يذكر. وبين هذا وذاك يبقى الحل في أن تأخذ المرأة والمنظمات النسائية التي تمثلها قضيتها بنفسها، باستنفار قواها لدعم ترشيح وانتخاب المرأة التي تستحق لتصل إلى المجلس النيابي والمجالس البلدية.

لو عدنا إلى أصل الثامن من مارس/ آذار – كيوم مطالبة المرأة بمساواتها مع أخيها الرجل في الأجر منذ العام ,1857 فإن تقرير التنمية البشرية للعام 2006 يبين بوضوح أن هذه المشكلة لا  تزال حاضرة بكل قوتها في البحرين. لقد شكل إجمالي دخل النساء أقل من ثلثه لدى الرجال حسب التقرير. وإذا أردتم أن تلمسوا هذا التفاوت الصارخ فاسألوا، مثلا، مربيات الأجيال القادمة في رياض الأطفال. أكثرهن يتقاضى ما يقل عن الحد الأدنى للمعاش التقاعدي، وأقل من الحد الأدنى للمعيشة.

وهكذا فإن أمام الحركة النسائية والقوى الديمقراطية والتقدمية ليس الاحتفاء باليوبيل المئوي لعيد المرأة العالمي فقط، بل والتكاتف معا من أجل مواجهة التحديات التي تعترض تحرر المرأة وتقدمها، فبدونها لا حرية ولا تقدم للمجتمع كله.