المنشور

رحل مجيد مرهون ولم يرحل

رحيل المناضل الوطني الاممي الفنان الموسيقي المبدع مجيد مرهون خسارة فادحة لهذا الوطن ولكل الوطنيين والتقدميين. في معركة التحرر والتقدم، رفع صوته كغيره من الشرفاء في ثقة واصرار في وجه الظلم والظلام والاستعمار والاستغلال، وجعل حياته وفكره وموسيقاه حصنا منيعا يدافع عن العدالة والتقدم والديمقراطية والسلام.
مجيد الذي امتزجت حياته النضالية بالفكر الماركسي وبالموسيقى الراقية الرفيعة المعبرة عن آلام وآمال الفقراء لم ينكمش على ذاته او يتوارى خلف اسوار المدن البعيدة وانما كان في طليعة المدافعين عن الحريات والعمال وقضايا الشعوب المضطهدة، فما اكثر تضحياته، نعم كانت تضحيات مانديلا البحرين كبيرة كانت اسطورة يتفاخر بها شعب البحرين والشعوب الاخرى المحبة للحرية.
مجيد الذي عشق الاحياء الفقيرة والمعرفة والموسيقى والتقدم كان شفافا، شفافيته كانت مزيجا من البساطة والصدق والاخلاص والمرح ورغم معاناته الطويلة بين جدران الزنازن كانت موسيقاه تبعث الدفء في ابدان الفقراء وكل العاشقين للتحرر والتقدم، ما اجمل الحياة! وما اجمل الابداع عندما يغدو رغم كل الطرق الوعرة والاشواك شعلة تضيء الدروب كما فعل مجيد.. بعد معاناة طويلة مع المرض رحل “بو رضا” ولم يرحل لان مجيد نموذج رائع في النضال السياسي واضاءة في الفضاء الابداعي.
يقول محمد العالم “ما اكثر لحظات الفقد في حياة الانسان وما اشد تنوع هذه اللحظات. قد تفقد شيئاً او تفقد علاقة او تفقد انسانا صديقا او قريبا ويفجر هذا الفقد في نفوسنا احزانا غائرة اليمة ومع ذلك يظل هذا الفقد محدوداً بحدود ما فقدناه على ان هناك حالات من الفقد ما لا يقف الاحساس بها عند حدود ما نفقده وانما يصبح احساسا بفقد شامل لا تهتز به اركان النفس وحدها بل تكاد تهتز به اركان الحياة كذلك “هكذا كان الاحساس بفقد مجيد احد الرموز الوطنية والابداعية الملهمة، والحقيقة عندما نتحدث عن كل الرموز وعن الابداع الموسيقي يضيء لنا اسم مجيد مشعاً كشعاع الشمس.
مجيد الذي ترك إرثا موسيقيا تجاوز 350 عملاً لم يعزف منه سوى 30 لا نستثني جهة واحدة عن مسؤولية حفظ هذا الارث وتظل وزارة الثقافة في مقدمة كل الجهات المعنية. لقد عبر مجيد عن ابداعاته الموسيقية حينما قال في احدى مقابلاته الصحفية عام 2006 “ان موسيقاه هي حريته وعندما عزفت موسيقاه في الاكاديمية السويدية شعرت فيها بعظمة موسيقى مجيد اجل قلت في نفس هذا هو صوتي. هذه هي روحي قلت هي موسيقاي.. هي انا فعلاً وليس هذا الجسد السجين” ولم يتردد ايضا في التعبير عن انتمائه الفكري والسياسي عندما قال “فعلا كنت ماركسيا لينينيا قبل ان ادخل السجن وبقيت في السجن ماركسيا لينينيا وحين خرجت منه خرجت ماركسيا لينينيا ذلك اني لم افهم الماركسية ابداً على انها ضد الدين.. كنت اعرف جيدا ان ماركس حين كان يقول بأن الدين افيون الشعوب كان يقصد اولئك النفر المتسلطين على رقاب الناس باسم الدين، أولئك الذين يستغلون الدين لمصالحهم الخاصة”.
وعندما نعود الى ابداعات هذا الموسيقار الذي ظل في السجن 22 عاما ما اكثر ما الف من سمفونيات ومقطوعات وكتب اهمها كما قال لمحدثكم في حوار اجريته معه في 20 مايو 2001 سمفونيتان وكونشيرتو للسكسفون وثلاث رباعيات وترية وصفاته للبيانو وافتتاحية فنتازيا بعنوان “جزيرة الاحلام” ومجموعة كبيرة من المقطوعات الموسيقية المتنوعة لمختلف الآلات الموسيقية وكتاب الموسيقى الشعبية في الخليج العربي والاسس المنهجية لدروس نظرية الموسيقى الجزء الاول وهو من ثلاثة اجزاء وكتاب آخر لم يكتمل بعد وهو القاموس الموسيقي الحديث الذي يعد مشروعا ضخما يتألف من ثمانية اجزاء وكذلك مؤلفات في طريق الاعداد وللمستقبل وهي “النماذج الموسيقية الاوروبية وكتاب يجمع مقالاتي الموسيقية.
مرة أخرى نقول، ان مثل هذا الموسيقار المبدع الذي استحق جوائز عديدة لا نملك ازاءها الا التقدير والاعجاب، أليست دعوة منبرنا التقدمي دعوة منصفة الى ابعد حدود الانصاف عندما دعا الدولة الى تكريم هذا الرمز الوطني والابداعي الكبير وسواه من رموز الحركة الوطنية باطلاق اسمائهم على مدارس او شوارع وتدريس حياتهم وعطائهم في المقرارات الدراسية .. لقد رحل مجيد ولكن ذكراه ستبقى عطرة بيننا وسيبقى اسمه منارة ملهمة لنا وللاجيال من بعدنا.. نعم سيظل رمزاً وطنياً شامخاً ورائداً من رواد الابداع الموسيقي.
عزاؤنا لزوجته فاطمة وابنه رضا ولكل افراد عائلته الكريمة ورفاق دربه ومحبيه.
 
صحيفة الايام
6 مارس 2010