المنشور

أقلام رصاص!

صحافي أجنبي طرح على قرائه سؤالاً عن سبب الأمية في أفريقيا، فذهب جُلهم إلى سبب كبير، رئيسي، مثل التخلف أو الاستعمار أو التبعية .. الخ، وهي بالتأكيد أسباب حقيقية وجدية. لكن الجواب الذي قاله هذا الصحافي باعث على التأمل والتفكير.
السبب، في رأيه، هو انعدام الأقلام!.. ويضيف إنه توجد مدارس لكن الناس ليست لديهم أقلام. ومن واقع تجربته يروي أنه عندما يذهب إلى أماكن قصية في أفريقيا غالباً ما تطوقه مجموعة من الأطفال حين يدخل قرية من القرى، ليلاحظ أنهم لا يريدون طعاماً مع أنهم جوعى أو مالاً .. أنهم يريدون قلمه للكتابة!
ويسوق الكاتب نفسه الواقعة التالية كيما تكتمل الفكرة التي نحن بصددها، ذلك أن منظمة دولية لمساعدة الدول النامية مقرها باريس اقترحت إرسال أجهزة كمبيوتر للدول الأفريقية في إطار مسعى لمعالجة الخلل في سوق المعلومات بين الذين يملكون والذين لا يملكون، في عصر يوصف بأنه عصر المعلومات، لكن النتائج لم تكن مشجعة، ولم تسد الفجوة بين مالكي المعلومات وصناعها في الغرب وبين متلقيها ومن لا يملكونها في قارة مثل أفريقيا.
لكن هناك تجربة مساعدات أخرى يتحدث عنها الكاتب نفسه، هي ما قامت به الصين، التي أرسلت كميات كبيرة من الأقلام إلى بلدان أفريقية تحارب الأمية، حيث لا تكلف هذه الأقلام بضعة سنتات، ولكن هذا النوع من المساعدات كان أكثر جدوى وفائدة في أنه مكن أطفال بلدان أفريقيا من تحقيق حلمهم بأن يمسكوا أقلاماً في أيديهم يكتبوا بها حروف الأبجدية وأرقام الحساب.
وإليكم أيضا الحكاية الآتية: في إحدى المرات جاء موظفو الإغاثة إلى قوم أشبه بالبدو الرحل في شمال نيجيريا بتلفاز يعمل بالبطاريات، استمتع الأهالي بمشاهدة برامج التلفاز حتى نفدت طاقة البطاريات، ثم عادوا إلى حياتهم البدائية التي عرفها أجدادهم منذ آلاف السنين، كأن شيئا لم يكن، لأن الكهرباء لم تصلهم بعد ولن تصلهم قريباً.
هذه وقائع بسيطة، لكنها بالغة الدلالة برسم أولئك الذين يتحدثون عن القرية الصغيرة التي أضحاها العالم .. إن القسمة ضيزى بين الغنى والفقر، بين ثورة المعلومات والوسائط الالكترونية للمعرفة والتسلية في أقصى حالاتها تقدماً وإبهاراً وبين الجهل والأمية التي تجعل من امتلاك قلم رصاص حلماً وهدفاً، قسمة ما زالت قائمة وما زالت تعيد إنتاج نفسها حتى داخل آليات التقسيم الدولي الجديد للعمل الذي تخترقه العولمة عمودياً وأفقياً.
نحن نتحدث محقين عن أن الأمية في عالم اليوم ليست الأمية الأبجدية، وإنما أمية الحاسوب الآلي، فالذي لا يحسن التعامل مع هذا الحاسوب في حدود دنيا على الأقل هو أمي حتى لو كان يقرأ ويكتب ويحمل شهادات جامعية، ولكن هذا لا ينسينا أو يجب إلا ينسينا أن ملايين الأطفال في العالم النامي ما زالوا يتشوقون لفك الحرف وكتابته، ويتشوقون لمقعد متواضع في فصل دراسي حتى لو كان كوخاً يتعلمون فيه، وأن الكمبيوتر بالنسبة إليهم ما زال يمثل ترفاً أبعد ما يكون عن حلمهم في اقتنائه أو حتى مجرد الجلوس أمام شاشته.
 
صحيفة الايام
4 مارس 2010