المنشور

عَشَق الموسيقى فعشِقه الوطن.. مجيد مرهون

مسكون ام معجون باللحن البحريني القادم من الازقة القادرة على الفرح في ذلك الزمن الصعب الذي ولد فيه مجيد مرهون الذي تطهر في نهر الموسيقى فلم يعرف حقداً ولا كراهية وهو صاحب اطول محكومية سياسية قضاها في السجن الذي خرج منه بعد اكثر من عقدين وقد ارتفع وتسامق كنخيل بلاده فوق الالم والجراح واحتضن الوطن بعشق متجدد لم يتحدث ببغض ولم ينبس بكره احد وهو درس اخر لقننا اياه مجيد الذي رحل باسماً كما جاء باسماً لانه احب الموسيقى ومن يحب الموسيقى لا تعرف الكراهية طريقاً إلى قلبه وروحه.. فهل نتعلم منه درس الحب ونتصالح مع زمن كنا محظوظين معه وفيه اكثر من الراحل مجيد الذي عاش في زمن آخر كان وعراً وكان قاسياً ولكنه لم يكرهه ولم يحقد عليه!!
في مسرحية شكسبير وعلى لسان يوليوس قيصر جاءت هذه العباره الدالة والموحيه «احذره.. انه لا يحب الموسيقى» ولذا احببنا الراحل مجيد ولم نحذره ولم يحذرنا وانفتح قلبه الفائض باللحن الشجي وبالموسيقى على الجميع وبمحبة نادرة.. فهل عرف الذين لايحبون الموسيقى ويطاردونها في زاوية وطريق لماذا يكرهونها؟؟
لانها «الموسيقى» رسول المحبة ورسالتها.. هكذا عرفها عاشقها البحريني مجيد مرهون وهكذا ارسلها لنا من داخل سجنه لتعلمنا درس التسامي والارتفاع على الجراح والآلام والبدء من جديد دائماً.
لست المؤهل تخصصاً لاتحدث عن موسيقاه ومؤلفاته وألحانه ولكنني ساتحدث عن الموهبة البحرينية او المواهب البحرينية الجديدة القادمة على طريق لا ينضب من الابداع الموهبي.. وأحداها هذه المواهب الصغيرة والجديدة محظوظة لانها تفتحت في عهد حمد بن عيسى.. عهد الاصلاح والانفتاح والحرية.. فموهبة بلاحرية مكتوب ومحكوم عليها بالموت المبكر وقبل ان تتفتح براعمها الاولى.
محظوظة مواهبنا الصغيرة الجديدة لانها جاءت في هذا العهد الجميل حيث تستطيع الحراك دون ان «تحذر» مصير الراحل مجيد مرهون فتخسر وتفقد عقدين من عمرها هناك خلف الاسوار.. وهذه نقطة مضيئة تحسب للعهد الجميل والوطن الجميل.. لكن السؤال ما هو دورنا وما هو واجبنا تجاه المواهب والابداعات الصغيرة التي تلوح هنا او هناك في الفرجان والاحياء البحرينية البسيطة وكيف ومتى ولماذا لا نكتشفها ولا نفتح الطريق امامها.. وهل هي مسؤولية رسمية تتحملها الجهات الرسمية المعنية ام انها مسؤولية مجتمعية مشتركة نتشارك في تحملها كل الجهات الاهلية والرسمية والمدنية والمؤسساتيه الاخرى المختلفة لالتقاط المواهب البحرينية واحتضانها ورعايتها والدأب عليها حتى تنمو وتعطي للوطن.
«مثلاً» لماذا لا تتأسس جمعية اهلية مدنية باسم «جمعية مجيد مرهون للمواهب البحرينية» متخذة من اسم الراحل الموهوب مجيد عنواناً لوفاء بحريني مازال قادراً على الوفاء.. لتبدأ مشواراً آخر تعنى فيه بالمواهب وتعمل تنسيقاً مع الجهات لاحتضانها.
و«مثلاً» آخر لماذا لاتبادر جهة رسمية بمالها من امكانيات للاعلان عن خطة او استراتيجية وطنية لرعاية المواهب الجديدة في عهد قادر على الرعاية والاهتمام بالمواطن.. المواهب كنز لا يتكرر والبحرين كغيرها عامرة بكنوز المواهب المدفونة التي تحتاج يداً خبيرة في الحفر لاستخراج الدرر كما استخرج الغواض البحريني القديم لؤلؤ البحرين من قاع «الهيرات» ذات يوم بعيد.
رحيل الموهبة خسارة ما في ذلك شك لكنه حكم القدر الذي لا مفر منه ولا مهرب عنه.. لكن الخسارة ستتضاعف حين لا نعوضها وحين ننسى المواهب ونهملها هناك بلا رعاية مستحقة منا جميعاً وبلا استثناء.. نقول بلا استثناء حتى لايعتمد فينا الواحد على الآخر ويلقي بالمسؤولية في ملعبه ونتبادل الشماعات حتى تضيع المواهب وتتسرب من بين ايدينا لا سيما وان مساحة الاصلاح في بلادنا قادرة على ان تستوعب مشروع احتضان المواهب البحرينية باستراتيجية جادة ومسؤولة.. فقط نحن بانتظار خطوة تؤسس لمشروع كبير في حلم المواهب.. وليس السؤال من يبدأ الخطوة ولكن السؤال متى تبدأ الخطوة.. «هل نحن بحاجة للتذكير بالحكمة الصينية الكونفوشية.. الخطوة ومشوار الألف ميل»!!
اما الذين لا يحبون الموسيقى بغض النظر عن نوعها وعن ايقاعها وعن الحانها فسنحذرهم كما حذر منهم شكسبير..!!
 
صحيفة الايام
3 مارس 2010