المنشور

رحيل عازف السكسفون الحزين

أذكر عندما كنا طلبة في جامعة الصداقة بموسكو والتي كانت تحتضن الطلبة من جميع أنحاء العالم النامي كنا نقوم بتوزيع اسطوانات الفنان  المناضل مجيد مرهون عند لقاءاتنا مع الاتحادات الطلابية الأخرى.
 
كانت المقطوعات الموسيقية التي ألفها الفنان مجيد مرهون في السجن وتم تهريبها إلى الخارج لتقوم بعزفها فرقة الإذاعة السيمفونية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية «كذكريات « و «نوستالجيا» تمثل أفضل ما كنا نملكه كطلبة بحرينيين ونستطيع أن نقدمه للعالم.
 
كنا نفخر بأن يكون لدينا موسيقار بهذا الحجم تعزف موسيقاه من قبل فرق موسيقية عالمية كما كنا نفتخر بان يكون من بين مناضلينا سجين أمضى أكثر من 20 عاما بين قضبان السجن دون أن يفقد روعته وحبه للحياة والجمال والوطن.
 
لم يكن من الصدفة أن يعشق السكسفون حتى قبل دخوله إلى السجن فإن حياة الفقر التي عاشها في طفولته في حي العدامة في الحورة طبعت أحاسيسه بمسحة من الحزن، وأي آلة موسيقية يمكن أن تبكي بجمال بقدر هذه الآلة، ولذلك كان مجيد مرهون أول من اشترى هذه الآلة في البحرين.
 
ورغم أنه لم يكمل دراسته ولم يدرس الموسيقى في أي معهد أو كلية متخصصة إلا أنه ومن داخل السجن استطاع أن يدرس النوتة والتوزيع والتأليف الموسيقي ليتفوق حتى على من تخرج من الجامعات بعلمه وحسه الرقيق.
 
كان الجميع يطلق عليه « مانديلا البحرين» ومع أن مانديلا أصبح رئيسا لبلاده بعد أن سقط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا إلا أن مجيد مرهون بقي في الظل بعد أن أطلق سراحه دون أن تهتم به الدولة فلم يقدر له أحدا إسهامه في النضال ضد الاستعمار البريطاني وحتى أعماله الفنية لم تقدر بأي شكل من الأشكال من قبل هيئة الإذاعة والتلفزيون.
 
بالأمس رحل عنا مجيد مرهون بعد أن قدم مثالا لحياة قد لا يفهمها الكثيرون، فرغم فقره في صغره ورغم قضائه أجمل سنين حياته في السجن، ورغم مرضه إلا أنه ظل يحارب الظلم بالنضال والفقر بالفن والسجن بالعلم والقراءة و التأليف.
 
بالأمس رحل عنا عازف السكسفون الحزين بعد أن جعل البحرين أكثر جمالا… فقبلة من القلب لهذا الرجل العظيم.
 
صحيفة الوسط
24 فبراير 2010