المنشور

عن علي دويغر أيضا

في دراسته المهمة عن:«الرأسمال الأجنبي والنمو السكاني” التي وضعها عام 1972، انطلق علي دويغر من حقيقة أن صناعة النفط في البحرين لم تأتِ جراء النمو الطبيعي للصناعة المحلية، وإنما جراء التوسع الدولي للرأسمالية والرغبة في الحصول على مصادر طاقة رخيصة، ليناقش الآثار المختلفة لنشوء صناعة النفط على النمو السكاني، وليحلل أوجه التركيبة السكانية في مجتمع البحرين.
ينقل الباحث عن أحد الدارسين ان صناعة النفط تعد من أكثر الصناعات كثافة، وهذا ليس نابعاً من استخدام الحرفيين وبالطبع ليس من جراء استخدام ميكانيكيين مهرة، بل من جراء استخدام التكنولوجيا والإداريين ومجموعات المبيعات وما شابه ذلك.
وتُعد هذه الدراسة، فيما أرى، مصدراً جيداًً للباحثين الراغبين في تتبع تطور التركيبة السكانية في المجتمع البحريني منذ العقود الأولى للقرن العشرين، لأنها دراسة كتبت بمنهجية، واستعان فيها الباحث لا بنظريات النمو السكاني وتحليل آليات التخلف في المجتمعات النامية فحسب، وإنما أيضاً بمادة امبريقية ثرية من الإحصائيات والبيانات ذات الصلة بتطور النمو السكاني في البحرين آنذاك.
من أكثر فصول الدراسة تشويقاً الفصل الذي نظر فيه علي دويغر في ما أسماه “المسألة المدينية – الريفية”، التي يذهب فيه إلى انه ليس من الضروري رسم خطوط بين ما هو مديني وما هو ريفي في حال البحرين، فالمدن هي مراكز تجمعات سكنية في بلدٍ لا تتجاوز مساحته (آنذاك) عشرين ميلاً، خاصة وأن الإحصائيات الرسمية، كما تشير الدراسة، لا تقدم تصنيفات مختلفة للسكان من وجهة النظر هذه، في غياب مفهوم المدينة الصناعية على النحو الدارج في الغرب، وهذا عائد إلى التضارب في توزع الثروات الطبيعية والقدرات البشرية، التي تُلاحظ في أغلب الاقتصاديات العربية.
في تقديري الشخصي، لو أن علي دويغر بحث التحولات في المرحلة اللاحقة لدراسته المهمة هذه، لكان قد لاحظ أن الفروقات في التكوين الثقافي والاجتماعي والنفسي تظل قائمة على كل حال بين سكان المدينة وسكان القرى، خاصة قبل التداخل الكبير الذي حدث في العقود القليلة الماضية بسبب المشاريع الإسكانية الجديدة التي نشأت في حزام القرى، ولا تبدو البحرين في منأى اليوم عن ما بات يدعى في السوسيولوجيا العربية اليوم بترييف المدينة، لا من زاوية الهجرة من الأطراف للمدينة كما هو حادث في البلدان العربية الأخرى، لأننا نشهد هجرة نزوح معاكس عندنا من قلب المنامة والمحرق إلى الأطراف، وإنما تحديداً من الزاوية الثقافية، إن صح القول، المتصلة باختراق أشكال الوعي التقليدي للبيئة المدينية ذاتها.
وهذا الاستنتاج يعيننا على فهم بعض مظاهر الحراك الاجتماعي السياسي في البحرين اليوم، من زاوية صعود التيارات المحافظة، وتقهقر مواقع القوى الحديثة، دون أن نغفل العوامل الذاتية أيضاً العائدة لقصور أداء القوى الحديثة وحجم ما تعرضت له من قمع وإقصاء على مدار عقود.
يعقد علي دويغر، وهو يبحث التركيبة السكانية، مقارنة بين قانوني الجنسية في البحرين، القديم الصادر عام 1937، والذي صدر بعده في عام 1963، وهي مقارنة مفيدة ، ليلاحظ أن التوزع العمري يتأثر، مباشرة، بثلاثة عوامل متغيرة هي الهجرة والولادات والوفيات، مشدداً على أن عامل الهجرة هو المتغير الذي يلعب الدور الأكبر.
وهو استنتاج يظل صحيحاً اليوم أيضاً.
 
صحيفة الايام
23 فبراير 2010