المنشور

الموجة الثالثة للأزمة تضرب «خنازير» أوروبا

شبح الأزمة العالمية يجول في أوروبا الآن، حيث ضربت موجتها الثالثة هناك. وقد يكون تشبيهنا مبالغاً فيه، لكن الاتحاد الأوروبي يعطي الانطباع وكأنه سفينة توشك على الغرق ويحاول كل من ركابها النجاة بنفسه. في العام 2010 قد يشكل عجز الموازنة في أيرلندة 117%، البرتغال 83%، إسبانيا نحو 10%، أما العجز الأكبر ففي اليونان 127%. وقد أخذ بعض الاقتصاديين الأوروبيين يفرزون هذه البلدان غير المحظوظة في الاتحاد الأوروبي في مجموعة خاصة أطلقوا عليها تندرا اسم مجموعة الخنازير PIGS مشتقة من الأحرف الأولى لأسمائها.
ويقدر الكثيرون أنه إذا استشرت موجة العجوزات في منطقة اليورو فسيحدث ذلك هزة كبيرة في الاقتصاد العالمي تفوق بقوتها آثار أزمة الرهون العقارية وانهيار ليمان بروذورز. وأن ذلك سيضع على المحك مصير عملة اليورو والاتحاد الأوروبي برمته. وفي هذه الأيام يستذكر الكثيرون الاقتصادي الشهير، حامل جائزة نوبل ملتون فريدمان الذي تنبأ في بداية هذا القرن بانهيار اليورو وتفكك الاتحاد الأوروبي.
وزراء مالية منطقة اليورو الذين اجتمعوا الأسبوع الماضي لبحث الأزمة الاقتصادية في اليونان بينوا للإعلام أنهم ليسوا بوارد الحديث علانية عن أية خطط لتقديم الدعم المالي لهذا البلد. وحسب كلمات ممثل المجموعة الأوروبية جان كلود يونكر للبي بي سي، فإن الحديث عن ذلك سيكون ضرباً من اللامعقول. وإذا كان القرار بسرية النقاشات يدعو إلى الاستغراب كونه يمس مصير العملة الأوروبية الموحدة، فالأرجح هو أن الغرض من وراء السرية هو إخفاء غياب وحدة الموقف لدى الدول الأوروبية حول هذا الموضوع، وكذلك لكي لا تسري الأوهام لدى بقية مجموعة بلدان PIGS بآمال على مساعدات الاتحاد الأوروبي.
أعطى الحاضرون في اللقاء لليونان مهلة حتى 16 مايو/ أيار 2010 من أجل إعداد خطة إجراءات عاجلة بهذا الصدد. ذلك يعني أنهم ينتظرون منها قبل كل شيء خفض النفقات على البرامج الاجتماعية وزيادة الضرائب، بما فيها زيادة ضريبة القيمة المضافة والضرائب على استهلاك مواد الطاقة، وكذلك إدخال ضرائب جديدة على الاستهلاك اللوكس.
قبل هذا، وأثناء القمة الاقتصادية لمجموعة السبع كان المصرف المركزي الأوروبي ممثلا بجان كلود تريشه قد وقف إلى جانب إعطاء اليونان فرصة أن تعيد بنفسها ترتيب بيتها الاقتصادي من الداخل لتستطيع خفض العجز من 127% من الناتج الإجمالي المحلي العام الماضي إلى أقل من 3% العام .2012 إن ترك الاتحاد الأوروبي لليونان كي تواجه مصيرها بنفسها يحمل بذور ليس الاضطراب السياسي الشامل الذي بدأ يهز الاستقرار في اليونان، أو ينذر بانتشار ذلك إلى مجموعة بلدان PIGS فقط، وإنما بزعزعة منطقة اليورو وتهديد كيان الاتحاد الأوروبي. فالحركة الاحتجاجية الجماهيرية الواسعة للنقابات اليونانية تبين بشكل قاطع أن أية حكومة لن تستطيع إجبار اليونانيين على شد الأحزمة على البطون، حتى ولو كان ذلك تحت تهديد العقوبات التي قد يفرضها الاتحاد الأوروبي.
سوف لن يستطيع الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف إلا أن يتحمل مسؤولياته تجاه اليونان. لكن الواضح أنه كلما تأخر في فعل ذلك، وكلما فشلت الحكومة اليونانية في حل الأمور في الداخل، خصوصاً وأن يدها مقيدة في اتخاذ أية قرارات بشأن سعر صرف عملة اليورو، فإن حركة الاحتجاج الجماهيرية ستزداد احتداداً وتعقيداً. وستكون إجراءات حل أزمة الاقتصاد اليوناني فيما بعد أكثر كلفة على الاتحاد الأوروبي من الآن. وقد يتطور الأمر إلى أنه لن يستثنى من بين الحلول المطروحة أمر طرد اليونان من منطقة اليورو أو تخفيض عملة اليورو نفسها.
إن وصول الاقتصاد اليوناني إلى حافة الإفلاس وظهور مشكلات مماثلة في بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي خفض كثيراً من تفاؤل المستثمرين بشأن عودة الانتعاش للاقتصاد العالمي. وحسب استطلاع للرأي أجراه Bank of America – Merrill Lynch بين مديري الأصول تعتبر أوروبا اليوم أقل مناطق العالم جاذبية للاستثمار. أما في أوروبا نفسها فإن المزاج العام في تدنّ. ففي شهر يناير الماضي هبطت نسبة المتوقعين لانتعاش الاقتصاد من 74% إلى 51%. وبدا واضحاً أن مجموعة PIGS ليست القائمة النهائية للبلدان الأوروبية التي تعاني من عجز الموازنات. وحسبما تشير وسائل الإعلام، فإن 20 من بين 27 بلداً أعضاء في الاتحاد الأوروبي تعاني من عجز في الميزانية يفوق 3% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وأصبح تخطي هذا الحد بمرتين أو ثلاث يعتبر مؤشرا اعتياديا أكثر منه استثناء. وحسب بعض التوقعات، فإن متوسط عجز الموازنات سيبلغ 75% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في مجموع الاتحاد الأوروبي.
وكما بالنسبة لليونان كانت المفوضية الأوروبية قد أعطت لاثني عشر عضواً آخرين في الاتحاد مهلة تتراوح ما بين سنتين وخمس سنوات لحل مشكلة العجز. وحيث إن الخبراء يشكون في إمكانية هذه الدول تحقيق ذلك، فإن وضعاً سيئاً ينتظر اقتصاد الاتحاد الأوروبي واستقراره السياسي. وهذا يتطلب من صانعي القرار الاقتصادي والسياسي مراقبة تطورات الأوضاع بيقظة كي لا نقع ضحية مفاجآت كالتي حدثت وتحدث مع تتالي موجات الأزمة العالمية في السنوات الأخيرة..
 
صحيفة الوقت
22 فبراير 2010