المنشور

ذكرى الميثاق.. تلك اللحظات الرائعة!

في الذكرى التاسعة للتصويت الشعبي على ميثاق العمل الوطني اضحى البحرينيون يستذكرون الرابع عشر من فبراير بمشاعر متباينة، لكنها حتما لا تخلو من زهو يتبعه حنين لتلك الأيام واللحظات التي حملت لهم جميعا أخبارا سارة، مع تحولات لا شك أن زخمها كان طاغيا على المزاج العام حينذاك، حين أحالت أجواء الميثاق وبشائره وضع البحرين السياسي والاجتماعي إلى وضع فيه الكثير من الحماسة الوطنية والثقة بالمستقبل، علاوة على ما هيأت له من تلاحم وطني، توارت لأجله دعوات الفرقة والتشرذم وظلامية المشهد على خلفية أحداث التسعينات وما سبقها، فكان ذلك في حد ذاته دافعا كافيا لانصراف تلك الجموع الحاشدة في الرابع عشر من فبراير من العام 2001 إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في الاستفتاء الشعبي الذي كان علامة فارقة في تاريخ البحرين الحديث، بما مثله من نقلة نوعية أزاحت من خلالها البحرين هما ثقيلا كان رابضا ومتربصا بهذا الوطن وشعبه بعد حقبة سوداء عقيمة.
فها هي الذكرى السنوية للميثاق تستفز فينا الرغبة لتلك الأيام المجيدة، وتلح في طرح الكثير من تساؤلاتها التي نعجز أحيانا كثيرة عن مجرد الإجابة عليها، أو أن نتوارى خجلا من أملنا المقبور في دواخلنا، نظرا لما أصبح يكتنف المشهد العام في بلادنا من تعقيدات هي بحق مربكة لسلاسة وانسيابية وأريحية تأملناها وسعينا مجتمعين لبلوغها، متناسين جراحاتنا وجراحات وطن سيظل يستفز فينا هو الآخر رغبة الشعور بالانتماء والبناء والنهضة، مهما أرهقتنا المسافات وتقطعت بنا الدروب وداهمتنا المنغصات المحبطة في طريق بحثنا عن أجمل الأيام التي هي وعد وغاية يجب أن نسعى لها مهما كلفنا ذلك من جهود وتضحيات، ففيها أملنا وطموحات أجيال عديدة قادمة عليها أن تتعلم كيف تتعايش مع بعضها بود واحترام وتحضر.
وحري بنا أن نستعيد قراءة مفاصل مهمة من ميثاقنا الوطني، ففيه الزاد والأمل وفيه الرجاء وسمو الغايات، لكننا حتما لا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي للارتفاع بواقعنا ومضامينه، وأن نعبر معا حدود الحديث المرسل المليء بالعواطف إلى واقع أكثر عملا ورحابة وتعددية وتراحما وقبولا بالآخر.
في ذكرى الميثاق التاسعة كان موعدنا الأسبوع الماضي مع تدشين صرح ميثاق العمل الوطني، بما يعنيه من رمزية، لنجدد العهد بالمضي في مسيرة إصلاح لا تتوقف نحو بلوغ أهدافنا الوطنية، والحق يقال إن البحرين قد قطعت بعد مرور اقل من عقد من الزمان أشواطا بعيدة وعلى أكثر من مستوى، لكنها حتما تحتاج أن تقطع أشواطا أخرى لازالت منتظرة على طريق تطوير تشريعاتها ونظمها وقوانينها وإداراتها وما حصل ليس هو غاية ما ينشده شعب البحرين، فهذا الشعب التواق دائما للمستقبل سيظل طموحه لا يحده سقف، فعلى الرغم مما تم اتخاذه من خطوات حتى الآن، ستظل عملية التطور الديمقراطي وتحديث مؤسسات الدولة على أسس دستورية، وتطوير ممارسات حقوق الإنسان وبناء دولة المؤسسات والقانون وتحقيق مستويات فضلى من العدالة وتكافؤ الفرص والشراكة في صناعة القرار عبر المؤسسات التشريعية المنتخبة، والمضي في تحقيق مزيد من الرخاء الاقتصادي هي مجالات أساسية يمكن لمملكتنا أن تقطع فيها أشواطا مباركة، إذا ما اهتدينا إلى الطريق الصحيح نحو تحقيق طموحاتنا بعيدا عن ما يمور في المشهد العام، ليستفاد منها في بلوغ درجات أكبر من العمل الوطني الحقيقي، بحيث ننأى بهذا الوطن عن تلك الحالات المتكررة لنصل به إلى مراحل النمو والاستدامة والتطور، وهذا ما نفهمه من كلمة جلالة الملك الأخيرة، عندما أعلن «أن صرح ميثاق العمل الوطني سيظل رمزا لاستمرار عملية الإصلاح الشامل في مختلف المجالات من سياسية واقتصادية وتعليمية وصحية، على ان تقوم الوزارات والمؤسسات بوضع سياساتها وبرامجها لتحقيق هذا الاستمرار»، كذلك أوضح جلالته قائلا «نحن حريصون على قيمنا النبيلة ونتطلع للتمسك بها جميعا أفرادا ومؤسسات، حفاظا على تلك اللحظات الرائعة عندما توافقنا على تفعيل الميثاق بما يكفله من حريات، وخاصة حرية التعبير للمواطنين والعمل يدا بيد لاستكمال المسيرة وسد النواقص».
في ذكرى الميثاق السنوية، تبقى تلك هي رسالتنا لكي نكون أمناء بحق على ما توافقنا عليه، وهي غاية ممكنة ومتاحة لكنها لن تتحقق من دون شراكة شعبية حقيقية في صياغة قرارنا الوطني نحو إشادة مؤسساتنا الدستورية والحفاظ على منجزنا الحضاري.
 
صحيفة الايام
22 فبراير 2010