المنشور

علي دويغر: قامة شامخة من هذا الوطن

كثيرون يعرفون علي دويغر المناضل اليساري العنيد الذي أسهم بدور قيادي حاسم في تاريخ جبهة التحرير الوطني وفي النضال الوطني عامةً، وكابد الكثير من أوجه المعاناة جراء ذلك، لكن القليلين الذين يعرفون علي دويغر الباحث الذي قدم دراسات مُهمة عن خصائص التطور الاجتماعي السياسي في البحرين، بينها تلك الأطروحات التي نال عنها درجاته العلمية في جامعة لوند بالسويد.
من أبحاثه المهمة بهذا الصدد “تحليل مقارن للإدارة العامة في البحرين”، “تأثيرات اللؤلؤ والنفط على العمل في البحرين”، و«الرأسمال الأجنبي والنمو السكاني”، فضلاً عن دراسات أخرى تتصل بقضايا الإصلاح الزراعي.
في دراساته اتبع علي دويغر منهج التحليل العلمي، المادي التاريخي، في رصد وتحليل البنية الاجتماعية والطبقية في مجتمع البحرين في الفترات التي غطاها في بحوثه، فهو على سبيل المثال يقدم في بحثه عن آثار صناعة اللؤلؤ والنفط توصيفاً للتركيب الطبقي في المجتمع البحريني، ملاحظاً أن المظاهر الإقطاعية ظلت فاعلة رغم تقدم علاقات الانتاج الرأسمالية مع مجيء النفط، مما أوجد تركيبة طبقية غريبة، أو حالة خاصة، وهو بهذا كان يتلمس مبكراً ما يتركه النفط من تأثيرات في بنية اجتماعية محافظة.
ومع تنبهه إلى أن صناعة النفط أوجدت طبقة عاملة صناعية، ألا أن الكثرة الكاثرة من العمال غير الماهرين بسبب ضعف مستويات التعليم، وغير المنفصلين عن البيئة المحافظة التي أتوا منها، يجعل منهم بروليتاريا رثة تعيق تبلور وتماسك الطبقة العاملة الحديثة، ويلاحظ، في الآن ذاته، وجود قطاع لا بأس به من العمال يعملون في مؤسسات صغيرة ومتوسطة، وهذا التشظي يحمل تأثيراً سلبياً على تشكيل الوعي الطبقي.
ويرى أن البرجوازية الوطنية، آنذاك، صغيرة العدد وهي تجارية الطابع، وتعاني من اختراق السوق من قبل الرأسمال الأجنبي والشريحة المتنفذة من البرجوازية المتحالفة معه والمستفيدة من مزايا هذا التحالف.
برز اسم علي دويغر منذ منتصف الخمسينات في القرن الماضي، حيث كان من ضمن الحلقة الريادية الصغيرة التي تبنت الأفكار اليسارية والتقدمية في وقت مبكر نسبياً بالقياس للطبيعة الخاصة لمستوى التطور الاجتماعي والسياسي في هذه المنطقة، وسيصبح علي دويغر أحد المساهمين في تأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية التي تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة والخمسون لتأسيسها.
درس دويغر في كلية التجارة في جامعة بغداد وانخرط في الحياة الطلابية النشطة التي نشطت في إطار النهوض الوطني في العراق عشية وبعد ثورة الرابع عشر من يوليو/ تموز 1958، وبسبب تسارع التطورات السياسية هناك حيل بينه وبين البقاء في العراق، حيث عمل بعد ذلك في قطر، قبل أن ينتقل للكويت ليصبح مديراً لتحرير جريدة “الهدف”، لكنه لم يمكث هناك طويلاً بسبب تناوله للأوضاع السياسية في مقالاته.
سيضلع بدور مهم في قيادة جبهة التحرير الوطني بعد عودته، وتبدو بصماته واضحة في أول وثيقة برنامجية متكاملة في التاريخ الوطني، ألا وهي برنامج جبهة التحرير الوطني، وسيعتقل لمدة ثمانية شهور في عام 1964، ليودع المعتقل ثانية اثر اندلاع انتفاضة مارس 1965، حيث مكث في سجن جزيرة جدا عامين وثمانية شهور، ليكون بذلك آخر من غادر المعتقل آنذاك.
علي دويغر قامة وطنية كبرى في تاريخ الوطن قمينة بأن يسلط المزيد من الضوء على دورها.
 
صحيفة الايام
22 فبراير 2010