المنشور

“الليبرالي” يحتاج أولاً إلى الحرية

إن الليبرالي يدعو إلى الحرية وهو بحاجة إليها.
إن أغلب متحدثي الليبرالية واليسارية الناعمة هم أناسٌ يطمحون إلى مشروعات رأسمالية، لكنهم عاجزون عن إنتاج رأس المال.
ولكي يصير الموظف ليبراليا يجب أن يترك وظيفته الحكومية ويعبر عن التاجر وعن المالي والصانع، فالكلمات المجردة لا تصلح للتعبير عن ليبرالية وطنية في بلد ما.
إن وظيفته الحكومية وإنتاجه الفكري داخلها لا يسمحان له بمعرفة هموم طبقته، وبتأسيس مقاربة فكرية للحياة الاقتصادية والاجتماعية.
لابد أن يتعرف مشاكل الصناعيين والتجار ورؤاهم، ويغزلها برؤاه الانتقادية السياسية، لكي يكون لهذه الطبقة موقع سياسي مؤثر، ولكي يكون لها معبر من خلال بيانه.
ولكي ينقل كذلك لهذه الطبقة مشكلات الناس والعمال والوطن، ولكي ينشئ جسوراً بين اندفاعِها الربحي وأوضاعِ المعسرين والمعدمين والعمال والميسورين، حتى لا تجمع الكرهَ لها، ولكي تدري بأوضاع الناس، ولكي تحصل على جمهور مؤيد من بين المواطنين، يزكيها لانتخابات وتطورات اجتماعية قادمة.
حين يقوم الموظف الصغير الحكومي بإنتاج أفكار ليبرالية لا يصارع وظيفته بطبيعة الحال، فهو نتاجُ الوظيفةِ الحكومية التي لا تنتجُ أفكاراً ليبرالية إلا عبر القراءة لا عبر الإنتاج ودرس الواقع.
إنتاجُ الأفكار الليبرالية يتشكلُ بالصراع من أجل البرجوازية الخاصة وحرياتها. هذا مثله مثل اليساري المتحالف مع الدينيين، لا تنشأ يساريته ولا تنمو إلا من خلال الصراع الفكري مع الدينيين، فالجمهور لكي يتطور لابد له من تقييد الحكم المطلق لشيوخ الدين كذلك في شؤون الحكم العام، بمعنى ألا يفرضوا سطوةً كليةً في الحياة السياسية الاجتماعية التي هم متخلفون عن إدراك طبيعتها المعقدة.
مثلما أن للرأسمال الحكومي حدا يجب الوقوف عنده، والحد لا ينزل من السماء بل من فعل النضال البرلماني الديمقراطي الوطني العام.
هناك مراحل نشوء وتطور لليبرالية، فالليبرالية هي جسمٌ اجتماعي تاريخي يتكون عبر مراحل، إنها تعيشُ الآن حالةً تكوينية غير محددة، لأنها لاتزال في المجال الثقافي، وفي المجال السياسي الكامن، ثم تنتقل للمجال السياسي الظاهر، عبر تجمع عناصر الوعي الليبرالي والاقتصاد. وهذا نتاج العلاقات بين الجانبين، ولمدى تطور العقول الليبرالية الحرة، ولمدى تطور الرساميل الوطنية.
إنها نتاجٌ لتطور الرأسمالية الوطنية التي تجمعُ ثمارَ فكر القطاع العام الديمقراطي المنفصل عن البيروقراطية وثمرات الرأسمالية الخاصة المنفصلة عن الأنانية الكلية.
لابد من تقليصِ هيمنةِ الحكومة على الاقتصاد وعلى الحياة الاجتماعية ولابد من تحولها إلى إدارة سياسية فقط، والليبرالي – حين يقوم بذلك – يتطور سياسيا، أي عبر نمو الشركات الخاصة البحرينية فعلاً، وعبر تغلغلها في مجالات جديدة في الاقتصاد والعلوم والثقافة والإعلام، وقدرتها على إعادة تغيير الواقع.
التطور الرأسمالي القادم يتطلب هذا النمو، وتضخم المؤسسات الحكومية العددي، يعرقل التطور، ويعرقل إعادة توزيع عمل السكان، وتقليص العمالة الأجنبية، وتثوير قوى الإنتاج العلمية، وتغيير طابع السكان الإنتاجي، وتغيير تقسيم العمل بين العمل الذهني والعمل اليدوي، عبر توسيع الأول وتقليص الثاني الخ.
إن الليبرالي الحكومي هو ليبرالي لايزال شموليا، ولذا فإن مفرداته أدبية، غير اقتصادية، لا يعرف ما هي الرأسمالية العامة والرأسمالية الشرقية وقوانين تطورها.
إنه يعتبر التغلب على الشموليين مسألة ثقافية، وليس نتاج التحجيم الديمقراطي للقطاع العام البيروقراطي وتوسع الحريات والأعمال في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة وتوسيع حريات العقل في البحث والنقد وتجذرها في البلد.
لماذا نركز هنا في الليبرالي؟ لأنه الذي يقدر أكثر من غيره على إنتاج الديمقراطية بمعايير الواقع الممكن.

صحيفة اخبار الخليج
20 فبراير 2010