المنشور

بين دفتي كتاب

سُئل النحات مايكل أنجلو يوماً عما يفعله لكي يبدع أعمالاً بديعة بهذا الشكل، فأجاب: الأمر بسيط جداً. عندما أنظر إلى كتلة الرخام أرى التمثال الذي بداخلها. لا يبقى أمامي سوى إخراجه من هناك بإزالة الزوائد عنه.
قال المعلم: “كل منا مرصود لإبداع عمل فني هو مركز حياتنا. ورغم كل محاولاتنا لإخفائه عن أنفسنا نعرف إلى أي حد يشكل شرطاً لسعادتنا. هذا العمل الفني مدفون عموماً تحت أعوام من الخوف والشعور بالذنب والتردد. لكننا إذا قررنا إزالة تلك الشوائب، ولم نشك بقدراتها، نستطيع القيام بالمهمة الموكلة إلينا. إنها الطريقة لعيش حياة مشرفة”.
هذه حكاية أولى. وإليكم حكاية ثانية: سأل التلميذ معلمه: “كيف نعرف ما هي أفضل طريقة للتصرف في الحياة؟”.. لم يجب المعلم وإنما اقترح على تلميذه أن يصنع طاولة. عندما أصبحت الطاولة شبه جاهزة لم يبق سوى تثبيت لوح السطح بالمسامير. اعتاد التلميذ على إدخال المسامير بثلاث ضربات بالضبط، لكن المسمار الأخير قاوم أكثر، فاضطر إلى توجيه ضربة إضافية. تغلغل المسمار أكثر مما يجب، فانشق الخشب.
هنا قال المعلم: “يدك معتادة على ثلاث ضربات بالمطرقة، عندما تُوجه العادة الفعل يفقد معناه، مما يسبب الأضرار في النهاية. كل فعلٍ فريد، والسر الوحيد الذي يجب معرفته هو التالي: لا تدع العادة توجه أفعالك أبداً”.
هذه وسواها من الحكايات الجميلة المليئة بالدلالات والخبرات والحكم ترد في كتاب اسمه “مكتوب”. فكرة هذا الكتاب انبثقت من طلبٍ قدمه للكاتب أحد أصدقائه. طلب منه أن يجمع بين دفتي الكتاب ما يراه مناسباً من التعاليم التي تعلمها في الحياة، والحكايات التي نقلها له أصدقاء أو أناس تركوا له رسالة لا تُنسى رغم أنه لم يلتق بهم أكثر من مرة، بالإضافة إلى قصص تنتمي إلى التراث الروحي للإنسانية.
كاد الكاتب أن يعدل المشروع الذي اقترحه عليه صديقه بسبب مشاغله وسفراته الكثيرة، مع ذلك كانت الإشارات تحثه على الاستمرار، كأن تصله رسالة من قارئ، كأن يورد صديق تعليقاً، ويطلعه آخر على صفحات مقتطعة رتبها في حاملة أوراقه. مع الوقت اعتاد الكاتب أن يكتب بطريقة موضوعية ومباشرة، ولإعادة قراءة نصوصٍ أجل دوماً قراءتها قراءة ثانية، وشيئاً فشيئاً بات يجد في كل ما يجري حوله سبباً لكتابة الكتاب. تذكر أنه عندما كان طفلاً قرأ كتاباً بعنوان “مكتوب”، وفكر: “ربما علي أن أفعل الشيء نفسه”.
يروي الكاتب حكاية عن رجل عاش في القرن التاسع عشر، ورأى في منامه طيفاً يدعوه لأن يبني بيتاً من كسرات الآنية. أخذ الرجل يجمع قطع البلاط والصحون والتحف والزجاجات المكسورة. أكد سكان الجوار أن هذا الرجل مجنون، لكن سياحاً اكتشفوا بيته لاحقاً، وتحدثوا عنه لمن حولهم، أصبح الرجل محط الأنظار، لكنه استمر في البناء، وفي الثالثة والتسعين من عمره، وضع آخر كسرة زجاج لديه.. ومات. مثل هذا الرجل فعل الكاتب: رتب قطعاً من حياته: مواقف عاشها، مقاطع من كتب لم ينسها، أفكار حول عصره وأحلام جيله لكي يقيم منها بناءه الروحي.
نسيت أن أذكر أن مؤلف هذا الكتاب لم يكن سوى باولو كويلهو، مؤلف “الخيميائي”.
 
صحيفة الايام
17 فبراير 2010