المنشور

يوميات الثورة الخضراء (3- 3)

أن تظهرَ حركة ثورية جماهيرية وسط رأسمالية دولة شرقية شمولية هي مسألةٌ تاريخيةٌ فريدة، خاصة مع جمع هذه الدولة لتراثٍ نضالي شعبي قريب، وقوى عسكرية بوليسية هائلة، وشبكةٍ دينية جماهيرية محافظة تتغلغلُ في كلِ شرايين المجتمع.
لكن بسببِ واقعيةِ الحركةِ الإصلاحية وطرحها أهدافا سياسية ممكنة التحقيق، وعدم غلوها في طرحِ مسألة هدم النظام، وعدم تطرف مرشد الجمهورية في التصدي لها، ومحاولته جمع الصفوف، فكل هذه الأسباب جعلت المختلفين لا يقطعون الجسورَ بينهم كلية، وجعلت المناضلين للتغيير ينتهزون مناسبات النظام وتاريخه الثوري السابق ويوظفونها للتغيير الجديد.
ومن الناحية الذاتية كان انقطاعهم عن المرشد وتركه للقوى العسكرية تحيطُ به، وعدم طرحهم أهداف التحول بوضوحٍ ومباشرة، وتخندقهم في مسألة تصحيح نتائج الانتخابات ورفض الرئيس نجاد في ولايته الثانية (المزورة)، وتحويل الاحتجاجات الثورية في الانتخابات والتصويت عليها وحساب الأصوات وغير هذا من أهداف ووسائل تقنية محضة مقطوعة عن جذور الصراع الاجتماعي، أمورٌ جعلت الجمهور في بلبلة سياسية، واختلافات وفي حماس حاد كذلك. لكن كان هذا هو الممكن الوحيد لعملية تغيير سياسي جديد!
إن زعماء الإصلاح الذين قال عنهم المرشد: (إنهم ابناء النظام)، كانوا فعلاً من المستفيدين من النظام وامتيازاته، ولم يجادلوا المرشد في الأهداف السياسية والاجتماعية التي يريدون تطبيقها، فلم يحدثوا التراكم السياسي النوعي الذي يميزهم عن المتشددين، وجادلهم المرشد في المسألة الفنية وهي التصويت وحسابه ولم يعرف لهم برنامجاً مغايراً! مما يشير كذلك إلى صعوبة النمو الديمقراطي في نظام بتلك المواصفات السابقة.
وفي أثناء الصراعات الحادة كان يجرى التركيز في التصويت، وتظهرُ تلميحاتٌ خافتةٌ لأهدافٍ أخرى، وكل هذا يجرى من أجل التغيير المنتظر في إعادة النظر في هيمنة القطاع العام على الاقتصاد، وهو أمرٌ سيجعلُ ذاتَ الطبقةِ هي التي تحكمُ مع إجراءِ تغييراتٍ على الفئة المهيمنة، لا على الطبقة السائدة، فُتستبدلُ بالفئة العسكرية الفئة السياسية – الاقتصادية، ويصعد تجار البازار، ويتغير العديد من جوانب النظام الديني المحافظ!
وهذا كله يجرى إذًا لخطة موسوي، وبدا هو القادر على قيادة النظام وإجراء التغييرات فيه، وهذا لا يعني ان الحرس الثوري لا يستطيع أن يعيدَ تشكيلِ نفسه لمثل هذا النظام الجديد، ويكرسَ صناعاتٍ سلمية وحربية وسلعا تُباع في الأسواق، لكن مستوى التصنيع الإيراني العسكري ليس في المستوى الروسي أو في مستوى التصنيع الصيني السلمي، وهنا الإشكالية لشعبٍ مسلم محافظ لم يتطور لمثل هذه الرأسمالية العامة – الخاصة المتطورة بمستوى الصين أو روسيا، لكنه من جهة أخرى يمتلك تراثاً احتجاجياً نضالياً قوياً!
وقد رأينا المطاردات العنيفة لقوى النظام وتغلغلها في البيوت وضربها الناس، والقيام بالاعتقالات الواسعة، وضرب حريات التعبير والتنظيم، وحراك الإصلاحيين بكل السبل داخل حراك المحافظين، وتنظيم النظام المظاهرات الرسمية وتصعيد العقوبات، ولكن من دون فائدة، فالأزمة متشبثة بعظام النظام، ومع هذا فإن قادة الإصلاح يكررون باستمرار العبارات العامة نفسها ويرفضون المساومة مع ذلك النظام(المجرد) الذي يختلفون معه. لقد تم الهجوم الشخصي على قيادات الإصلاح والمنع للكتب والمحاضرات كما حدث لزوجة حسين موسوي التي تقول عن القضية بذات الشكل العام:
(ونفت رهنورد في حوار اجراه معها موقع “روز اون لاين” المعارض الشائعات التي راجت حول احتمال حدوث مساومة خلف الكواليس بين المعارضة والحكومة الايرانية وقالت: “إننا سنجعل من صدورنا دروعا لتلقي الرصاص، وإننا مستعدون لأي اعتداء أو عملية اغتيال”).
إنها عملياتٌ معارضةٌ اجتماعية وسياسية ماهرة تكتيكياً على مختلف الأصعدة، على صعيدي الحكم والناس، لتمرير مشروع نصف حداثي، ويحافظ على البناء الديني العام، لكنه يزيح كابوساً سياسياً حربياً عن المنطقة.
ولكن السؤال المستمر هل ينجح من دون انضمام قيادات عسكرية إليه؟ وماذا تكون طبيعة هذه القيادات، وكيف يمكن الجمع بين المشروع العسكري والحداثة والديمقراطية في إيران؟ هذا سؤالٌ سوف تجيبُ عليه الفترة القادمة.

صحيفة اخبار الخليج
15 فبراير 2010