المنشور

يوميات الثورة الخضراء الإيرانية (2)

إن الطابع السلمي والهدف السياسي المحدود لم يمنعا من تفاقم القمع ضد زعماء الحركة الإصلاحية في إيران، وضد الحركة الشعبية.
إن الطابع السلمي استدعى شعار الثورة الخضراء، فهي ليست دموية، لكن استخدام كلمة حركة يبين الأهداف المحدودة، ويشير إلى تغير بناء اجتماعي محدد، وهو ما لم يطرحوهُ كبرنامجٍ واضح، وعلينا أن نبحثَ عنهُ ونكتشفه. وهم ركزوا في الحركة الخضراء لا في الثورة الخضراء، وهو كما قلنا هدف تصعيد القطاع الخاص والحريات المصاحبة لمضمونه.
هو صراعٌ بين جناحي طبقةٍ مسيطرةٍ وليس هو صراعٌ بين طبقةٍ حاكمة ومحكومة، أو بين أغنياء وفقراء، هو صراعٌ بين سيطرةٍ متشددة على السلطة وبين أهدافٍ غير متشددة، بين قطاع عام بيروقراطي، وقطاع خاص مُـقزم، لكن اللغةَ السياسية المعلنة لم تـُظهرْ ذلك بوضوح، لأن هذا الوضوحَ يُخسرُها الطبقات الشعبية المتضررة من صعودِ القطاع الخاص، ومن هنا تتظاهر جماهيرُ القطاع العام، جماهير عمال وموظفي الوزارات، تحت التنظيم الحكومي الدقيق المراقب ضد المتآمرين والمنافقين.
يبين موسوي طبيعةَ الحركة الخضراء بشكلٍ تعميمي قائلاً:
“أعتقد انه من الضروري أن نؤكد انه لدينا في الحركة الخضراء هوية إسلامية ووطنية ونعارض أي هيمنة أجنبية. نحن أوفياء للدستور”، نافياً بذلك أن تكون المعارضة لنتيجة الانتخابات الرئاسية، “تحولت إلى حملةٍ لقلبِ النظام”، الوكالات.
إن المطالبةَ بتغييرِ نتائج الانتخابات كهدفٍ رئيسي للحركة لا يتوجه إلى أهدافٍ أبعدَ من ذلك، رغم الفاعلية الشعبية ورغم مطالب الطبقات الاجتماعية الأخرى التي ساندتْ هذا الجناح من الطبقة الحاكمة.
علينا أن نرى ذلك من دون إسقاطات وتمنيات، فموسوي تحديداً يتوجه لاستمرار النظام “الاشتراكي” الذي يتصوره ولكن مع بعض التحولات الكبيرة التي رافقت زمن إبعاده واختمرت لديه. لقد كان الخيار الروسي “الاشتراكي” في بالهِ حين وسّعَ القطاعَ العام توسعة كبيرة، افادت العمال والفقراء وأفادت بشكل أكبر الرأسمالية الحكومية البيروقراطية التي غدت عسكرية.
وهذا جزءٌ من مسارِ القومياتِ الكبرى في الشرق المشحونة بالشموخ وبرغبةِ الوصولِ إلى مستوى الغرب كالأمتين الروسية والصينية.
في أثناء الأحداث تتكشفُ السببياتُ الغائرةُ للصراعاتِ الاجتماعية المعقدةِ في إيران، فالقطاعُ الخاصُ (البازار) لم يعدْ مشاركا قويا لدعم موسوي، بعد الضربات التي وجهها موسوي له أثناء حكومته، والتي دعت رفسنجاني للصراع معه والعمل على إزاحته كما أسلفنا.
في أثناء العزلة زار موسوي جمهورية “الصين الشعبية” وكانت الزيارة الوحيدة التي قامَ بها للعالم الخارجي، وعملَ مؤسسةً للدراسات تقومُ بأبحاثٍ عميقةٍ في ذات الوقت. في أثناء الحملة الانتخابية طرحَ أولِ مرة في حياته مسألة دعم القطاع الخاص وتوسيعه.
يصفُ التقريرُ الصحفي السابقُ ذكره توجه موسوي بالصورة التالية:
“هو عودة للقديم والحرس القديم من قبل الإصلاحيين لأن موسوي وفي للقديم، حيث شكلتْ قيمُ الثورة وولاية الفقيه وتعاليم اليسار الإسلامي في سياقها التاريخي رأيه ومواقفه السياسية، فهو رغم سكوته الذي استمر خمسة عشر عاماً انتقدَ اقتصادَ السوق والاقتصاد الحر، كما أنه اهتم خلال هذه السنوات بإنشاءِ مركزِ دراساتٍ وبحوث يعمل في نقد الحداثة، مستفيداً من التجربة الصينية في زيارته للصين، وهي الدولة الوحيدة التي زارها”.
إن ما تطرحهُ الكثير من قوى الحداثة حول موسوي واتجاهه للاقتصاد الحر على الطريقة الغربية غير دقيق، ولم تطرح القوى الإصلاحية أي نقد للمشروع النووي الإيراني، ولم تتخلْ عن الوجهة القومية الفارسية الصلبة، فإذاً ما هو الخلاف؟
إن الخلاف هو في مسألة توسيع القطاع الخاص من قبل الإصلاحيين خاصة موسوي الذي صعد إلى الانتخابات الرئاسية بسبب خبرته في إنشاء الاقتصاد والقطاع “العام”، وإحداث بنية جديدة تجري فيها مشاركة واسعة بين القطاعين العام والخاص. إن المركزيةَ الكبيرة للقطاع العام لم تعد مفيدة بل صارت مضرة بنمو الاقتصاد الإيراني وتوسعه وتحوله إلى قوة اقتصادية مناطقية كبيرة. كذلك يبدو ان ثمة اتجاها سلميا هنا، يظهر فقط في الشعارات الجماهيرية التي تدعو إلى عدم الصرف على الحركات المسلحة في الخارج. لكن ليس ثمة برنامج معين للتخلي عن العسكرة تماماً أو عن المشروع النووي وهو أمرٌ يبدو في السكوت كذلك عن الترحيب بالتعاطف الغربي مع النضال الأخضر هذا. وبهذا فإن القوى الليبرالية – الحكومية، ورموزها رفسنجاني وخاتمي وغيرهما أيدت انتصاره في الانتخابات، بعد أن كانت تعارضه كرئيس وزراء، نظراً لهذه التوليفة المنتظرة بين القطاعين، وبين القومية والحرية، بين نظام ولاية الفقه وبين التعايش السلمي مع الغرب والشرق، في حين يمثل نجاد الوجه الحاد الأقصى لهذا كله.
لكن دخول القطاع الخاص سيكون دائماً عبر خضوعه لأهداف القطاع العام، ولابد أن تجرى في عملية هذا التحول تغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية كبيرة كذلك، بأن يحدث انفتاح وبعض الحريات في نظام ولاية الفقيه، أي أن يكون رئيس الجمهورية الأخضر مختلفاً بعض الشيء عن رئيس الجمهورية العسكري المحافظ، ولا يمكن توسعة القطاع الخاص من دون الحريات والانفتاح وهو ما يمثل إضعافاً للتشدد الديني.
إن الاهتمام بالتجربة الصينية الجامعة بين القطاعين العام والخاص في نظام شمولي من قبل موسوي ليس إذاً مصادفة.

صحيفة اخبار الخليج
14 فبراير 2010