المنشور

إنقاذ طيران الخليج.. ما العمل؟!

لا شك أن القرارات الرسمية التي تم الإعلان عنها مؤخرا والمتعلقة بإنقاذ ناقلتنا الوطنية، تعتبر في حد ذاتها خطوة هامة بل ومصيرية أيضا بالنسبة لمستقبل شركة بحجم ومكانة ورمزية شركة طيران الخليج وذلك بالنظر إلى أهمية الشركة لاقتصادنا الوطني، وما يجعلها هامة ومصيرية أكثر هو ربطها بمستقبل وحقوق الموظفين والعاملين في الشركة، حيث كان ذلك واضحا من خلال توجيهات صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية بالدعوة لإنقاذ الشركة وحماية الموظفين والعاملين فيها وذلك انفاذا لتوجيهات عليا من قبل جلالة الملك. وبقدر ما تسعدني تلك الخطوات المتسارعة لإنقاذ الشركة، فان الضرورة تحتم على الدولة ضرورة مراجعة كافة السياسات التي حكمت أداء ومسيرة طيران الخليج طيلة أكثر من ستين عاما من تاريخها الحافل بالانجازات والإخفاقات، وهي كثيرة، فواقع الحال يخبرنا أن أي مشروع يرتجى منه إعادة بناء ناقلتنا الوطنية بعد ما مرت به من نكسات ومصاعب، لابد له أن يدرس جيدا من كافة جوانبه، فالشركة التي توظف ما يربو من 5000 عامل وموظف جلهم من البحرينيين، هي صرح مكين في بنية اقتصادنا الوطني، وتسهم بحسب رئيسها التنفيذي السيد سامر المجالي بنحو 800 مليون دولار سنويا في الاقتصاد الوطني، يجب أن لا تخضع عملية بنائها المأمولة استنادا لقرارات سياسية فقط، رغم أنها مطلوبة في هذه المرحلة العصيبة من تاريخها، وفي ظل أوضاع اقتصادية ومالية عالمية بالغة السوء، والأهم هو أن تخضع خطوات وبرامج إعادة البناء هذه لمعايير شفافة واضحة، مختلفة عن كافة المعايير والإجراءات المجربة من قبل مجالس إدارة وإدارات تنفيذية تعاقبت على الشركة لعقود طويلة، ولم تزدها إلا تراجعا ومديونية عالية هي اليوم عبء ثقيل على الدولة واقتصادها، ولها انعكاسات مباشرة على الموظفين وأسرهم، وهنا نقول إن مجرد الحديث عن الإخلاص لم يعد معيارا ناجزا، لشركة أصبحت تستنزف ما يربو على المليار دينار سنويا من خزينة الدولة، وتخوض منافسة محتدمة مع شركات خرجت معظمها من عباءتها، مما يحتم ضرورة التفكير في إداراتها بشكل مغاير، ولكنه يجب أن يقوم على قواعد راسخة من الكفاءة والمهنية والحرفية والنزاهة، وذلك كفيل بإيصالها للربحية، وان يتحقق لها الاستقرار وللعاملين فيها الأمان والطمأنينة، مما يعني معه الإقرار أن من مجرد رصد الميزانيات الضخمة لوحده حتما لن يكون كافيا، إذا لم يقرن ذلك بخطط تكفل استدامة النجاح، بحيث توضع كافة اشتراطات النجاح والنزاهة والجودة والتوسع أو حتى الانكماش المدروس سلفا في كل خطوة وسياسة وقرار مستقبلي يتم اتخاذه.
انه لمن المفيد حقًا أن تتم مراجعة تلك السياسات التي أوصلت الشركة إلى ما هي عليه، ليس بدافع تحقيق المساءلة وقد فات أوانها بعد تعاقب العقود والأزمان، وبعد سنوات من الضياع لشركة كانت يوما عنوانا لاقتصادنا الوطني وحتى للاقتصاد الخليجي برمته، ولكننا لن نبكي على اللبن المسكوب كعادة من يجترون الفشل لأنهم لا يتقنون طريق النجاح، فطريق النجاح بات معروفا وبالإمكان أن يسلك، شريطة الابتعاد بالشركة عن كل ما لازمها من فساد ونهب وتدمير عبر حقب مختلفة من تاريخها، ونضع أيدينا مع الحكومة ومجلس التنمية الاقتصادية لإنقاذ هذا الصرح الوطني، لإعادة بناءه على أسس أكثر فاعلية ونجاح، ليسهم في دفع عجلة التنمية مع بقية مؤسساتنا الوطنية الأخرى، ونرجو أن يكون ما يتم تداوله من تسريبات حول التوجه لخصخصة الشركة مستقبلا أمرا مرفوضا، فليس من الحكمة أبدا العمل على إصلاح أوضاع الشركة توخيا لخصخصتها لاحقا، بل أن يتم التمسك بالشركة لتكون داعما رئيسا لعجلة التنمية على أسس وتوجهات وطنية مخلصة، دون أن نسمح البتة بأن تكون كما كانت سابقا بقرة حلوب، وهناك الكثير من البدائل الممكن دراستها عوضا عن الخصخصة، لا يتسع المجال هنا لذكرها، فطيران الخليج يجب أن تكون موردا ماليا مهما، بالإضافة إلى ما تقدمه من إسهام وقيم مضافة للاقتصاد الوطني، عبر تحريك العديد من المؤسسات والأنشطة الاقتصادية والتجارية، ولن يتم ذلك إلا عبر التوظيف الأمثل للكفاءات والخبرات التراكمية التي أنتجتها الشركة وصناعة الطيران في العالم، وقد آن لها أن توضع في مكانها المناسب لتوظف توظيفا منتجا ومسئولا في خدمة أهداف عملية إعادة بناء هذا الصرح الوطني الهام.
 
صحيفة الايام
14 فبراير 2010