المنشور

حرب مفتوحة في اليمن.. ولكن!


في الوقت الذي أعلنت فيه قبل مدة قصيرة حكومة اليمن بأن «حربها مفتوحة في اليمن» فان المؤتمر الذي عقد في لندن كان مؤتمرا مغلقا من جهة، ومن جهة أخرى كان مفتوحا على مصراعيه، فالجزء المعلن سيحضره الإعلام العالمي لتغطية حواراته وقراراته وتوصياته في قبض أموال يتعهد بها المانحون كما حدث من قبل ثلاث سنوات، أما المسائل السرية كالحرب المعلنة على الإرهاب والحرب غير المعلنة على المتمردين الحوثيين في الشمال فهي سرية ومغلقة بالتأكيد، إذ يختلف الملفان عن بقية الملفات، خاصة وان المؤتمر ينوي مناقشة خمسة ملفات يمنية أساسية: الملف الأول- ملف الإرهاب وعلاقته بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، حيث يشكل هذا الملف في الوقت الراهن عصب الموضوع الإقليمي الجديد للقاعدة بعد مرتكزها في أفغانستان وضعفها في العراق ونقله إلى مركز اليمن، وربطه بجغرافيا جديدة هي المملكة العربية السعودية، وبذلك تتحد ساحة العمل العسكري للقاعدة بأرضين متجاورتين وبقيادة جديدة كجزء منها سعودي وجزء منها يمني، وزاد من حالة هذا الملف اكتشاف الطالب النيجيري عبدالمطلب فاروق، الذي غادر اليمن في شهر ديسمبر لتنفيذ مشروع فكرة تفجير الطائرة الأمريكية المغادرة من مطار أمستردام إلى ديترويت، معلنا تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية انه يقف وراء هذا المشروع الإرهابي.

ويناقش الملف الثاني موضوع الحراك الجنوبي وما يمثله من تهديد لوحدة اليمن كدولة، حيث يدور هناك مشروع انفصال الجنوب عن الشمال، والعودة لمرحلة ما قبل عام 1991، وهو ملف له إشكالياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية. ويتعرض الملف الثالث لقضية ساخنة ومعقدة لها بعدها الطائفي والإقليمي، ولها تداعياتها المستمرة والمحتملة، ألا وهو ملف الحرب في الشمال اليمني ما بين المتمردين الحوثيين وحكومة اليمن ونظامها المركزي في صنعاء، فهذا الملف بالإضافة إلى كونه يضيف عبئا عسكريا وأمنيا وسياسيا على عاتق حكومة مثقلة بالعجز في تطوير بنيتها التنموية. ويشكل أهمية في هذه المرحلة وجود ملف رابع في جدول ذلك المؤتمر، وهو ملف المعارضة اليمنية برمتها في مواجهة النظام، غير القادر على تطوير أدواته السياسية وتفعيل مؤسساته الديمقراطية وبناء مجتمع سياسي ومدني صحي. مما يجعل من المعارضة اليمنية بكل أطيافها تصطف مع بعضها البعض في خندق واحد ومشترك، بهدف الضغط على النظام وإذا ما كانت الأطياف مختلفة على التفاصيل اليمنية في ملفاتها تلك، فإنها في المقابل تتفق على ملفاتها في أمور كثيرة تهتم بمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتعثرة وتدهور الحياة المعيشية والأمنية للسكان، وتراجع وتائر التنمية فيما يزداد الإنفاق العسكري والأمني في بنية النظام السياسي تحت حجج كثيرة. يبقى الملف الخامس هو ملف حيوي قد يكون صمام أمان ومانع للعنف ودخول البلاد في متاهات وصراعات دموية لا احد يعرف نهاياتها كما هي معروفة أولى طلقاتها القاتلة. فبدون معالجة ملف الاقتصاد المتداعي في بلد تنميته بطيئة ومتراجعة، فان كل المشاريع والحلول العسكرية لمعالجة التطرف والتخلف والإرهاب والنزاعات الداخلية مصيرها الفشل، إن لم تترافق وتتلازم بشكل متناغم مع الحل السياسي والاجتماعي معا، فاليمن تتداخل فيها تلك الظواهر السياسية-الاجتماعية، مثلما تتداخل فيها الظواهر الاجتماعية – الاقتصادية، والظواهر المجتمعية – الثقافية، إذ لا يمكننا الفصل تماما ما بين الفكر العنيف ونهجه إن لم نربطه بتنمية غير متكافئة وثقافة قبلية ومتشددة ومحافظة تصب زيتها المحموم في نار اليمن المشتعل. من تابع تحركات وتصريحات ما قبل مؤتمر لندن في داخل اليمن وخارجها، يجد أن الانفلات الأمني في اليمن ظاهرة واضحة حتى وان قرر النظام إرسال رسالة للعالم الخارجي بأنهم قادرون بأنفسهم على تنظيف «إسطبلات اوجياس» غير أنهم في الوقت نفسه يلومون الغرب والولايات المتحدة بعدم تقديمها العون والمساعدات اللازمة لملاحقة الإرهاب والقضاء على جيوبه.

وبما أن الخطاب في البيت الأبيض متضارب، بين جهة تلّوح بالتدخل والأساليب الملتوية كما هو تصريح كارل ليفن رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، والذي حث وزارة الدفاع على استهداف القاعدة في اليمن بطائرات بدون طيار أو ضربات جوية أو حتى عمليات عسكرية، في وقت يؤكد فيه اوباما عدم نية بلاده إرسال قوات لليمن.

في مناخ متوتر تنعدم فيه الثقة وتزداد الشكوك، يتصاعد بالضرورة ترمومتر الشارع السياسي لمشروع الجهاد ضد أي تدخل أو غزو أجنبي للبلاد، حيث تداعت رابطة علماء الدين في اليمن إلى الجهاد في حالة أي تدخل أجنبي.

فتوفرت لدى القاعدة تربة خصبة للتصعيد، إذ تضع النظام بين فكي الرحى، فإذا لم تتدخل قوى خارجية يصبح على النظام الأمر شاقا في كسب الحرب المفتوحة بسرعة، طالما ان هناك ثلاث جبهات داخلية تستنزفه سياسيا وعسكريا، وإذا ما تدخلت القوات الأجنبية، فإن مشروعية الجهاد صارت أمر واقع، وبذلك فان الحرب المفتوحة ستطول كثيرا، إذ ينتقل الصراع بعدها بين قطبين أساسيين هما المعارضة اليمنية والقاعدة من جهة بقفازاتها الإسلامية المتشددة، والنظام اليمني المتحالف مع القوى العالمية بقيادة الولايات المتحدة، فتدخل اليمن الفخ كما دخلته باكستان منذ فترة الجنرال مشرف. ومازال كل نظام يأتي بعده يدفع الثمن باهظا.
وإذا ما اتسعت نطاق الحرب المفتوحة في بلد مسلح ومعقد جغرافيا، فان كل أسلحة وتجارب وخبرات الحروب النظامية وغير النظامية سنراها في اليمن، حيث ستجد إيران نفسها تصفي حساباتها مع الولايات المتحدة في الساحة الجديدة من إقليمها.

وهذا ما سيكون احد مفاتيح الحديث في الكواليس، عن كيف نقضي على الإرهاب ونعالجه في المنطقة في ظل ظروف اقتصادية معقدة.


 
صحيفة الايام
2 فبراير 2010