المنشور

الخلاص هو في التحالف مع اليسار الديمقراطي

اقتربت أنظمة وحركات سياسية من التحالف مع اليسار، الذي لم يكن ديمقراطياً بشكل عميق، في فترات سابقة خاصة، لكنه تجدد ويتجدد، ومع هذا كانت بدايات لتحول جذري في الحياة الاجتماعية العربية، وبعد عدم حصول التحالف حدثت انهيارات الأنظمة والحركات السياسية العربية!
عبدالناصر القائد الوطني الكبير رفض التحالف مع اليسار المستقل وأراد يساراً مُلحقاً بأجهزته السياسية والعسكرية المتحكمة في كل شيء، فكان له ذلك، لكن فقد نظامه وانهارت سياسة وطنية كان يمكن أن تكون رائدة في التغيير العميق للمنطقة!
صدام حسين أيد الجبهة الوطنية وعقد تحالفاً مع اليسار العراقي ونقضه وهو يصفي قياداته، فكان بعد هذا انزلاقُ النظامِ في دكتاتوريةٍ عنيفة لم تبقه حتى هو وتفككَ العراقُ ويكادُ أن يذوب الآن كغبارٍ من ترابٍ ولحمٍ مفتتٍ في الفضاء السياسي العالمي!
نقض هواري بومدين حكمة بن بيلا في تشكيلِ نظامٍ ديمقراطي يعتمدُ على التحالف بين جبهة التحرير الوطني الجزائرية واليسار وأقام حكماً استبدادياً عسكرياً، تلاعبت النخبُ البيروقراطية والعسكرية في موارد المجتمع من خلاله، وسلمته بعد هذا للخراب الواسع.
لم يثمن حكمُ صنعاء تنازل الحزب الاشتراكي اليمني واعطاءه حزب السلطة كاملَ التراب اليمني، ولم يلتفت إلى أهمية تشكيل تحالف عميق بين النخب الديمقراطية واليسارية لصناعة حداثة في اليمن الغارق في التخلف والقات، وركبَ رأسه ومضى باليمن في المنحدراتِ السياسية حتى هوى في المستنقعات والهوات، وكل حل لديه هو مزيد من الغرق في الرمال المتحركة اليمينية المحلية من شيوخ القبائل حتى شيوخ العالم!
رفضتْ حركة فتح التحالف العميق مع اليسار الفلسطيني الديمقراطي الذي غيّر كيانه ولغته وتعمقت صلته بالشعب، وظلتْ تتلاعبُ بخيوط السلطة وامتيازاتها ومناوراتها، وقادت نفسها لانتخابات من دون هذا التحالف منتفخة الريش، فجاءت الضربة الكبيرة على رأسها، لترى كيف قامت بتمزيق القسم المحرر من فلسطين والذي كان يُفترض أن يكون التمهيد لظهور الدولة الفلسطينية المستقلة العتيدة!
وأمثلةٌ كثيرةٌ وعديدة تبين كيف تقوم النخبُ الحاكمة بالتلاعب بمصائر الشعوب، لكي تحتفظ بكراسيها، فلماذا في تلك اللحظات الحاسمة حدثت القطيعة والشكوك والصراعات ثم السقوط؟
إن السلطات تنغرز عادة في الامتيازات، وهذه الامتيازات تخدرُ النخبَ الحاكمة وأهلها الذين يستمتعون أروع الاستمتاع بأموال الشعب الكادح على قصورهم وسفرياتهم وألعابهم المسلية، وتصعدُ بينهم لغةُ التجاهل لمطالب الناس، ولتحذيرات وانتقادات الجماعات المخلصة على الثروة العامة، ويبحثون عن تحالفات تقوي مثل هذه الكراسي المهتزة، وتجعلها تغوصُ عميقاً في التراب الوطني والعظام البشرية، وتعطيها لغةُ الشعارات المسطحة والجهل بالعلوم الاجتماعية آفاقاً من الأحلام والضباب، وترى أمامها سلاسل من التحالفات الداخلية والمناطقية والعالمية تستطيع أن تستنجد بها إذا لزم الأمر.
في حين إن التحالف مع اليسار الديمقراطي يعني وضع المصالح العامة على طاولة الرؤية الوطنية، وتسجيل كل فلس يدخل خزانة الحكم، ليجري صرفه بالرؤية والمعرفة أنفسهما، وكذلك تنشأ أشكال من المحاسبات الدقيقة والتغييرات للعامة وللاقتصاد المتخلف، وإزالة للإيدي الناعمة لكي تشتغل وتجلب الدخول لنفسها بعرقها، وهذا كله لا يعد مقبولاً، فتختلق المعارك مع اليسار، وتشكل الاختلافات، حتى تعود للسيطرة على كل مفاتيح السلطة/ الثروة.
وقد أجبر الغربُ الديمقراطي العديدَ من الحكومات في العالم على ترك الأساليب القديمة، وضغط عليها من أجل أن تراجع سياساتها غير المقبولة والمضرة بمصالحه، فقامت بمناورات عديدة لكي تغير الديكورات السياسية وتصبغها باللون الديمقراطي، لكنها واصلت السياسة العربية القديمة نفسها، ولم تفرق بين اللص والضحية، بين المسروق وصاحب الغنائم الثقيلة، لكي تبقي خيوط اللعبة كلها بين يديها.
بل قامت بأسوأ من سابقاتها بأن أطلقت قوى المذهبية السياسية المفككة للنسيج الوطني لتضييع وجود القوى الديمقراطية والعلمانية!
إن القوى السياسية العربية التقليدية لا تتعلم وهي تكرر كوارث التاريخ نفسها.

صحيفة اخبار الخليج
25 يناير 2010