المنشور

جدل الكويت… بل جدلنا الدائم!!

ويبقى الجدل محتدما في الشقيقة الكويت، على الرغم من أنها ليست وحدها في هذا الجانب بكل تأكيد، فبعد أن استكملت حلقات ومناوشات منع السيد محمد باقر الفالي من دخول الكويت العام الماضي، وما ثار حولها من زوابع لم يهدأ أوارها بعد، سواء تلك ما كان منها تحت قبة مجلس الأمة أو ما كان خارجها، لازالت إرهاصات تلك القضية مستمرة وسط جدال عقيم لم يهدأ حتى اللحظة، لكنه يبقى عنوانا لطبيعة العلاقة التي اصطبغ بها المشهد العام في أكثر من بلد خليجي وليس في الكويت لوحدها خلال السنوات الأخيرة. ويمكن إرجاع ذلك في جزئية منه إلى ما سمحت به طبيعة الممارسة الديمقراطية في الكويت، والتي أعطت بدورها لتلك الظاهرة القدرة على البروز بشكل اكبر، علاوة على أنها أصبحت تمثل حالة ارتداد ورجع الصدى لما يحدث في محيطها.
الجدل يتجدد مرة أخرى بعد أن تراجعت الجهات الأمنية في الكويت عن قرار سبق أن اتخذته منعت بمقتضاه الداعية السعودي محمد العريفي من دخول أراضيها، إثر تصريحات مسيئة بحق المرجع الديني السيد علي السيستاني وما أثارته من ردود فعل غاضبة في العالم الإسلامي.
لا نريد أن نناقش هنا قرارات سيادية للكويت هي حق لها كما هي لغيرها من الدول في حرية اتخاذ ما يتماشى مع ظروف وطبيعة أوضاعها الداخلية فهي ملك للكويت وللكويتيين. كما أننا لا نريد أبدا الدخول إلى متاهة الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك، فتلك مسألة لا اعتقد أننا بحاجة للخوض فيها، على الرغم من كونها عنوانا لطبيعة ما أنتجته سنوات من السماح بتسميم العلاقات التي مارستها بعض القوى المهيمنة على المشهد العام في محيطنا الخليجي، وهي علاقات ليست بريئة أو أنها عارضة بل أنها بدأت تتخذ لنفسها وجوها وأشكالا تتباين بحسب طبيعة العلاقات البينية وتباينات المواقف السياسية بين دول محورية في المنطقة لها الباع الطولى فيما يحصل لتلك العلاقات من حالات شذ وجذب، ومن تشوهات لم تكن يوما قائمة بمثل هذا الزخم الذي يصل أحيانا إلى حد الجنون والإسفاف، وهي توظيف لتشنجات ستظل قائمة على الدوام طالما لم تهتدِ دول المنطقة جميعها وما يحيطها من مؤثرات، إلى وسيلة تعايش سلمي حقيقي بين مختلف مكوناتها بدلا من السعي لتأجيجها وبوسائل شتى، وبما يدفع نحو تحقيق مصالح شعوبها، ويؤسس لحالة من الانسجام الداخلي في كل دولة على حدة وليؤسس لعلاقات ثنائية بين دول المنطقة تقوم على التكامل والتعاون القائم على المصالح الاقتصادية المباشرة لشعوب دول المنطقة وحسن الجوار.
باعتقادي أنه كثيرا ما يستفاد من حالات الاحتقان والخصومة المستمرة بين دول المنطقة بعضها ببعض أو تلك التي هي بين الشرائح والمكونات الداخلية لدولنا، ولا اركن هنا إلى ما يمكن أن يفهم أنه تسليم بنظرية المؤامرة، وإنما السعي لتوظيف ما يشوب العلاقات البينية والعلاقات السياسية بين بعض دول المنطقة بين فترة وأخرى من خلافات عن طريق الاستفادة من التباينات المذهبية والطائفية والعرقية، وأحيانا كثيرة استدعاء حالة الصراع السياسي القائمة إقليميا، كتلك التي تجري في العراق أو لبنان أو اليمن أو حتى إيران، والذهاب في ذلك إلى ابعد مدى ممكن بحيث تنخلق نتيجة لها حالات متجددة من الشد والتوتر بين القوى الداخلة في الصراع. بكل أسف كثيرا ما نجد أن ذلك هو الأمر الوحيد المتاح تقريبا أمام تلك القوى المتصارعة، على الرغم من وجود بدائل إيجابية كثيرة تعلم محاور الصراع قبل غيرها أنها السبيل الأجدى لحل ما يمكن أن يبرز من تداعيات وخلافات، لكن كثيرا ما يتم تجاهلها وعدم محاولة تجريبها.
المهم أن أدوات التوظيف تكون أدوات محلية الصنع، هي عبارة عن تيارات متصارعة ومنقسمة سياسيا وعقائديا، بل هي أجنحة ومراكز قوى تعتاش على بقاء حالات الاحتقان والتوتير، يحدث ذلك بكل أسف على حساب إعاقة مسيرة التنمية في أكثر من بلد من بلدان المنطقة، لتظل رهنا لصراع لا يراد له أن يهدأ، بل عليه أن يظل هكذا مشتعلا على الدوام، ربما حتى لا تحين ساعة المساءلة أو مجرد الحديث حول بدائل أكثر موضوعية ومنفعة، وهي أحيانا حالة تنفيس لأوضاع داخلية شديدة التداخل والتعقيد الملازمة لمسار دولنا السياسي والتنموي، لنجد تخندقا وحالة انعزال ومسيرة من الشك الدائم تبقى معها دولنا وشعوبنا تمثل حالة استثنائية بين مختلف دول العالم وأقاليمها، ليصار إلى توظيف قضايا عارضة كتلك التي تحدث في الكويت أو غيرها من دول المنطقة بين فترة وأخرى، لتصبح عناوين مثيرة تقوم تلك القوى المهيمنة على المشهد بالنفخ فيها لتقطف شعوبنا بعدها ثمارا هي بطعم العلقم بل أشد.
 
صحيفة الايام
25 يناير 2010