المنشور

تفاوت الوعي الديمقراطي بين دول مجلس التعاون

مع احترامنا وتقديرنا الشديدين لشعوبنا العربية الشقيقة في دول مجلس التعاون الخليجي إلا أننا لا نذيع سرا إذا ما قلنا ان شعبنا البحريني هو أكثر هذه الشعوب تميزاً بالوعي الديمقراطي، بما في ذلك ادراكه أهمية دمقرطة النظام السياسي وتعميقها فضلاً عن الحياة السياسية وهو، شعبنا، أكثر شعوب دول المجلس أيضاً في الحراك السياسي والأنشطة السياسية وبطبيعة الحال ثمة اسباب تاريخية وسياسية وتعليمية لهذه الخاصية التي يتميز بها الشعب البحريني عن سائر اشقائه الشعوب العربية الخليجية ليس هنا موضع تناولها.
وعلى الرغم من وجود نخبة سياسية واخرى مثقفة متعلمة وبضمنها شريحة لا بأس بها من التكنوقراط في كل بلد خليجي وان بنسب متفاوتة من بلد إلى آخر، فإن الوعي السياسي بأهمية الديمقراطية كضرورة ملحة لم يتعمق أو يتجذر بما فيه الكفاية، لا لدى النخبتين السياسية والمثقفة بدرجة ما، ولا لدى اعرض قاعدة شعبية بوجه خاص، ولعل الاستثناء من هذه الدول الكويت إلى حد ما وذلك بالنظر إلى تشابه ظروف وخصائص تطورها السياسي والتعليمي والثقافي المعاصر مع ظروف البحرين، وان كانت هي الاخرى لا تشعر بدرجة معينة بفداحة تغييب الديمقراطية او الحياة النيابية بعمق شعور البحرينيين.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا بالرغم من التطور الثقافي والسياسي الهائل الذي مرت به معظم دول الخليج لا نلحظ على نحو ملموس لدى نخبها وشعوبها ذلك الاهتمام بالديمقراطية والاصلاحات السياسية كالذي يلاحظه العالم لدى شعبنا البحريني؟
في تقديرنا ان معظم بلدان مجلس التعاون لم يبدأ التطور التعليمي والثقافي والسياسي لديها إلا متأخراً اثر اكتشاف النفط، وعلى وجه الخصوص فإن هذا التطور قد برز مع ظهور ما بات يُعرف بـ “الطفرة النفطية” في مطالع سبعينيات القرن الماضي، حيث ادت هذه الطفرة الى صعود معظم شرائح المجتمعات الخليجية من فقر وتدن في مستوى الحياة المعيشية الى إما ثراء فاحش وإما الى ثراء عادي وإما الى ارتفاع عادي معقول في مستوى الحياة المعيشية بما يعبر عنه بمستوى الطبقة الوسطى قبل تدهور أوضاعها.
وجاء هذا الحراك الاجتماعي سريعاً اشبه بالقفزة بالتوازي مع القفزة في التطور التعليمي من دون تدرج كما في البحرين التي كان التعليم النظامي فيها وبدايات التطور الاداري والسياسي الحديث أسبق من اكتشاف النفط في مطالع الثلاثينيات، وحيث مثلت الخمسينيات علامة مميزة من علامات ما قطعه الشعب البحريني من شوط في تطور نضجه السياسي قبل ان يظهر التعليم في غالبية بلدان مجلس التعاون، وبالتالي فإن تلك الطفرة النفطية التي نقلت مجتمعات معظم بلدان المجلس من حال إلى حال مختلف تماماً لم تسمح بنمو وتطور تدريجيين في الوعي السياسي والحراك الاجتماعي بل الأهم من ذلك لم تسمح بوجود طبقة وسطى واضحة المعالم تشكلت على نار هادئة وفق تدرج اقتصادي تعليمي كما هو في البحرين.
ويمكن القول: ان هذه الخصائص من التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي جعلت اغلب طبقات وشرائح المجتمعات الخليجية تعيش في بحبوحة من العيش الرغيد أسهمت موضوعيا في اعاقة تطور الوعي الديمقراطي وعدم الاحساس، بشكل أو بآخر، بالضرورة الملحة لنيل الحقوق السياسية او النضال من اجل دمقرطة انظمتها السياسية حتى بدت مثل هذه الحاجة اشبه بالترف او الحاجة الزائدة التي لا لزوم لها او لا ضرورة ملحة لها مادامت غالبية فئات المجتمع قد أمنت لهم الدولة إما مستوى رغيدا من الحياة المعيشية الكريمة وإما فتحت لهم “الطفرة” اوسع ابوابها لضرب ارقام قياسية عالمية للثراء السريع الاسطوري.
حتى على الرغم من الازمة المالية العالمية التي القت بظلالها الكئيبة على اقتصادات دول المجلس فإن المستويات المعيشية للطبقات الوسطى في الدول الخليجية وكذا ذوي الدخل المحدود لم تتأثر كما تأثرت وضربت المستويات المعيشية للطبقة الوسطى في البحرين، ناهيك عن ذوي الدخل المحدود وغيرهم من فئات قاع الهرم الاجتماعي الاخرى بمن في ذلك المعدمون والعاطلون او ممن يصنفون انهم تحت خط الفقر.
اكثر من ذلك فإن هذه الدول شرعت جميعها، باستثناء البحرين، في رفع مرتبات موظفي القطاع العام أكثر من مرة بنسب سخية تتراوح بين الـ 25% والـ 30% وبعضها قيل إنها بلغت 100% وذلك على اثر الازمة المالية وارتفاع اسعار السلع.
فهل من غرابة والحال كذلك الا يترتب على الازمة المالية وغلاء الاسعار أي شعور لتلك الشعوب بالرغبة في التظاهر والمطالبة برفع الاجور؟ وهل لو كان شعبنا، حتى بالرغم مما قطعه من شوط كبير في الوعي والنضج السياسيين، يتمتع بما يتمتع به اشقاؤه شعوب دول مجلس التعاون سيكون مغرماً الى حد الهوس بالمسيرات والعرائض السياسية او ان يكون مثلاً شديد القلق لأي زيادة في اسعار السلع الاساسية؟ ثم الى متى سيظل البحرينيون محرومين من الزيادة الفعلية في رواتبهم اسوة بالزيادات المتتالية التي نالها اشقاؤهم الخليجيون كافة؟

صحيفة اخبار الخليج
24 يناير 2010