المنشور

إصلاح التعليم مرهون بإنصاف المعلم ..

المهمومون بالتعليم ، والمهتمون بأمره والمتطلعون الى تطوير مسيرته أحسب بأنهم قد يجدون في حديث وزير التربية والتعليم المنشور في هذه الجريدة ( 4 يناير الحالي ) ما يستحق التوقف عنده ملياً ولاسيما فيما يخص أوضاع المعلمين مهنياً ووظيفياً .
الوزير في اشارة طيبة يقر بأن المعلم هو العمود الفقري الذي يقوم عليه التعليم ، وعليه يؤكد بأن خطة تطوير التعليم قامت أولاً على أساس الارتقاء بالمعلم ، وفي إشارة لافتة يقول بأن زيادة رواتب المعلمين لوحدها ليست كافية للارتقاء بعملية التعليم .
جيد أن ندرك بأن إصلاح التعليم مرهون بإنصاف المعلم ، وبأنه الأساس في العملية التعليمية وأهم عنصر من عناصرها ، واذا صلح التعليم صلحت واذا فسد فسدت ، وحسناً بأن يحظى ملف التعليم وسبر أغوار واقعه وما اعتراه من سلبيات والوقوف على مفاصل حساسة في مسرته اهتماماً استثنائياً نحسب أنه غير مسبوق ، وادراكاً نحسب أيضاً بأنه غير مسبوق بأن التعليم يعني المستقبل للمجتمع والدولة والمواطن ، والتهاون الذي مورس طيلة العقود التي مضت في حماية المستقبل ندفع ثمنه غالياً اليوم ، ويكفي أن ننظر الى مخرجات التعليم طيلة السنوات الماضية وانعكاسات ذلك على الوضع التنموي والاجتماعي والاقتصادي ، وعلى الرغم من المؤتمرات والندوات والحوارات واللقاءات واللجان التي شكلت واجتمعت وانفضت وبحثت في أوضاع المعلمين وقضايا التعليم ، وكانت خلاصتها كما هائلا من التوصيات والتصريحات والخطط والبرامج والمشاريع التي قيل لنا بأنها تؤذن بإصلاحات جذرية في النظام التعليمي .
بالرغم من ذلك فإن الحديث عن تحسين أوضاع التعليم ، والاعتراف بأوجه الخلل والقصور في منظومة التعليم ظل يتكرر من عام لآخر دون أن نرى خطوات عملية ملموسة في الجوهر وبالمستوى الذي يتناسب مع التوقعات بدليل أننا لازلنا نتحدث عن تحسين أوضاع المعلمين وعن التحديات التي خلنا بأننا تجاوزناها والتي من بينها ما يتصل بالتدريب والتمهين والرضا الوظيفي ، كما لازال الحديث مستمراً عن مستوى ونوعية مخرجات التعليم ومؤامتها مع سوق العمل ، وحتى التعليم العالي والجامعات فقد قيل فيه وعنه الشيء الكثير على النحو الذي تم تداوله خاصة في ضوء قرارات مجلس التعليم العالي، وهذه مشكلة لا يمكن أن تعالج بمعزل عن أزمة التعليم بكل مراحله ولابد من التصدي للمشكلة من كافة الجوانب والأبعاد.
واذا كان مشروع تطوير التعليم وتحسين جودته ومخرجاته الذي انطلق ضمن رؤية البحرين الاقتصادية 2030 ، قد رفع راية جعل هذا التطوير أساساً للتقدم والتطور، وركز على أربع مبادرات هي تطوير مهارات المعلمين من خلال تأسيس كلية البحرين للمعلمين ، وتأسيس هيئة مستقلة لضمان الجودة لمراقبة المؤسسات التعليمية ، ووضع امتحانات وطنية للمدارس ، وتأسيس بوليتكنيك البحرين لتلبية احتياجات سوق العمل ، وتطوير برامج التعليم الثانوي المهنية لتوفير تعليم تطبيقي وعملي لطلاب ، وأخيراً برنامج لتطوير المدارس يركز على تحسين أداء المدارس الحكومية، فإن هذه المبادرات والمشاريع رغم أهميتها لن تؤتي ثمارها اذا لم يؤخذ في الحسبان وعلى الدوام ، إن إصلاح التعليم مرهون بإنصاف المعلم ، وإعادة الهيبة والاعتبار والتوقير له وخلق بيئة تعليمية وتربوية صحية من أجل قيام المعلم برسالته وجعله أكثر تحفزاً للعمل والإبداع والبذل والعطاء والإنجاز، فالمعلم هو الركن الأهم في العملية التعليمية ، ولو خيرت بين معلم جيد ومنهاج جيد وبيئة تعليمية جيدة وسياسات جيدة لاخترنا المعلم الجيد لأنه حجر الأساس في عقول النشء، وكم منا يدين لمعلم أو معلمة بفضل ما هو عليه أو بسوء ما هو عليه الآن ، ومن هنا على المعنيين بأمر التعليم الوصول الى أفضل المدرسين المؤهلين والمؤمنين برسالة التدريس ، بقدر ما عليهم أن يعوا بأن أي تقنين في ميزانية الدولة يجب أن لا يمس التعليم بل العكس هو الصحيح لاعتبارات أحسبها معلومة للجميع.
مفتاح تطور أداء المعلمين يأتي تحسين رواتبهم في المقدمة ، واذا كان وضع المعلمين في هذا المجال هو أفضل مما هو عليه قبل سنوات، لكن يبقى الأمر ملحاً لمزيد من التحسين لرفع دافعية المعلم والنأي به عن أي إحباط أو عدم اكتراث الى التغيير والتطوير ، لأن ما عدا ذلك من تدريب وتأهيل وتطوير المهارات المهنية ومبان مدرسية حديثة وتجهيزات متطورة ووسائل تكنولوجية حديثة وأساليب إبداعية مبتكرة ليس إلا إجراءات مكملة ، فإن غاب الدافع ، غاب التدريس الجيد حتى وإن امتلك المعلم كل المهارات المطلوبة .
يبقى السؤال الملح .. هل بمقدور المعالجات القائمة والمنشودة فيما يخص اصلاح التعليم أن تعالج ما انكسر من الأساس .. هنا الإجابة ربما تبدو صعبة عند البعض وسهلة عن البعض الآخر ، لكن تخيلوا معي كيف يكون وضع ومستقبل البلاد ، المواطن والتنمية والمجتمع والاقتصاد ، لو كنا قد باشرنا في الإصلاح والتطوير المدروس للتعليم من سنوات طويلة …

صحيفة الايام
23 يناير 2010