المنشور

الطريق إلى سلامة موسى

مرةً، منذ سنوات، في مدينة الإسكندرية الرائعة، قاطعاً طريق صفية زغلول آتياً من محطة الرمل المطلة على البحر الأبيض المتوسط، في امتداد الكورنيش المُدهش الذي يبدو كأنه يطوق البحر، المبتهل إلى السماء، بذراعين ممتنتين، حانيتين، رُحت أحدق في المباني الجميلة على جانبي الشارع، أو في شارع فؤاد المتقاطع معه.
في ذلك الزمن، الذي يبدو الآن بعيداً، أتى أمهر المهندسين والبنائيين ليصمموا هذه العمارات البديعة المتساوية في ارتفاعها، بفنون العمارة التي جعلت منها إعلان حداثة، في هندسة عمرانية بديعة لمدينة تملك سحر الإغواء لقاصديها، الذين لا يمكن إلا أن يقعوا في حبها.
وأنا أمشي الهوينا استوقفتني فترينة مكتبة، وككل المرضى بالكتب، تسمرت مكاني هنيئات أطالع ما ظهر من العناوين، قبل أن يباغت نظري اسم المكتبة: سلامة موسى!
كان ذلك وحده سبباً جديراً بأن يحملني حملاً على الدخول وأنا شغوف بمعرفة السبب الذي جعل صاحبها يختار لها هذا الاسم، الذي من عباءة كتبه خرجنا كلنا، إذا ما استعرنا عبارة تولستوي الشهيرة: “كلنا خرجنا من معطف غوغول”، في إشارة إلى العمل الشهير “المعطف” للكاتب الروسي غوغول.
وأعني بـ “كلنا” ذلك الجيل الذي إليه أنتسب الذي لسعتْهُ كتب سلامة موسى بـ “حرقة الأسئلة”، إذا ما استعرنا، مرة أخرى، عنوان كتاب الشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي، وهذا حديث لا تتسع المساحة هنا لشرحه.
واجهتُ عناوين كتب سلامة موسى، وبعضها بأغلفة الكتب القديمة التي رأيتها حين قرأتها أول مرة قبل عقود، والتي لكثرة ما تداولتها الأيدي، يومذاك، كادت أن تُبلى. وعلى أحد الرفوف وقعت عيني على كتاب لصديقي الباحث والناقد المغربي كمال عبداللطيف بعنوان: »سلامة موسى وإشكالية النهضة«، وعلى ما قرأت لكمال لم أقرأ هذا الكتاب، ولم أسمع به، لأفاجأ بأن انشغال كمال بسلامة موسى قديم، منذ أن سجل أطروحته الجامعية عن الفكر السياسي للرجل.
ولكي يكتب كمال عبداللطيف عن سلامة موسى لم يعد فقط إلى كتب هذا الأخير، وما أكثرها، وإنما عاد إلى نصوص فرح انطون ولطفي السيد وطه حسين، ليرى أن ما فكر به سلامة موسى في حينه يندرج في إطار منظومة فكرية واسعة ومتعددة الاهتمامات، يوم كانت الاسكندرية وبيروت وسواهما من المدن المفتوحة على البحر، والمنفتحة على المستقبل ترسم لنا خريطة الطريق للخروج من دائرة التخلف.
اشبع البائع الفضول الذي انطوى عليه سؤالي عن السر في اسم المكتبة، انها لا تحمل اسم سلامة موسى تيمناً بفكره فحسب، وانما هي مكتبة عائدة له شخصياً وان ابنه الدكتور رؤوف سلامة موسى ورثها عنه، وواصل الحفيد الذي اسمه سلامة بالمناسبة تقليد جده وأبيه فاستمر في جعلها مكتبة، ولم يحولها إلى “بوتيك” أو يؤجرها إلى شركة ماكدونالدز أو بيتزا هت أو سواهما، هي التي تقع في شارع استراتيجي في قلب الإسكندرية.
من تلك المكتبة اقتنيت كتابين أو ثلاثة لسلامة موسى سبق لي أن قرأتهما بين نهاية الستينات ومطالع السبعينات الماضية، واليهما أعود مراراً إيماناً، بيقين الصديق كمال عبداللطيف، أن كتب سلامة موسى تجعلنا نزداد اقتناعا بأهمية تعزيز دوائر الوعي النقدي الذي يمكن أن “يساهم في وقف مسلسل العودات”.
 
صحيفة الايام
18 يناير 2010