المنشور

من الشرارة يندلع اللهيب!

بات المشهد الإيراني والوضع الداخلي مكشوفا للمجتمع الدولي الذي ظل منقسماً حتى وقت قريب على آلية اتخاذ القرار الصارم مع حكومتها وسياستها إزاء الملف النووي، ففي الوقت الذي عجز فيه النظام في طهران عن إقناع العالم بسلمية مشروعه النووي، فان وضعا مماثلا للملف النووي بدا أكثر بروزا لوضعها كعضو في المجتمع الدولي، إذ تكشفت حقائق جديدة مثيرة للتساؤل عن مدى احترام النظام في إيران لحقوق الإنسان والحريات بشتى مستوياتها الحقوقية والمدنية. ويأتي موضوع الإعدامات الدورية وشبه اليومية لأشخاص لا تستحق تهمهم سلب الحياة منهم بدلا من إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع، والأكثر من ذلك تم إعدام متهمين تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة، بل وتم التحفظ عليهم في السجن حتى يصبح القانون التعسفي القضائي للنظام يملك حجة إعدامهم قضائيا متناسين أن مسألة الإعدام عالميا تشكل واحدة من أكثر القضايا نقاشا حول استمرارها إنسانيا ودوليا. وتقول جماعات حقوق الإنسان في إيران إن عدد الأشخاص الذين يعدمون في إيران كل عام يفوق مثيله في أي بلد في العالم. ووفقا لمنظمة العفو الدولية فقد ذكرت ان في إيران تم إعدام 346 شخصا خلال العام الماضي. أي بمعدل إنسان واحد في اليوم. وكثيرا ما تم خلط الأوراق في أحكام الإعدام بهدف تضليل المنظمات الدولية والحقوقية، فتحت ذريعة المخدرات يتم إعدام المهتمين بالشأن العام والسياسات العامة وبعض السلوكيات السياسية والجنائية التي لا تبررها تلك الأحكام المفرطة للغاية، وبانتزاع روح الإنسان تحت يافطة الدين والأخلاق، وبتسويق فكر الثورة الإسلامية المنشغلة بقيمها المتآكلة، والتي لم تنجح في تغيير المجتمع على هواها ورغبتها وجبروتها التعسفي، متناسية حقيقة التنوع الثقافي والاثني والمجتمعي لمكونات المجتمع الإيراني بعمقه الحضاري ومدنيته، التي أصابها مقتلا نهج الثورة المتزمت إلى حد بلوغه ذروة التشدد والتزمت في بعض الأجزاء من ممارساته وسياساته، التي بالضرورة تنتج في هذه اللحظة اللهيب القادم من شرارة انتفاضة يونيو. ما يواجه النظام من ضغط يومي على مستوى المنظمات العالمية يدخلها في حالة ارتباك حقيقي، ويزداد هذا الارتباك كلما غرقت في نهج القمع بهدف إسكات الأصوات الشابة، التي اقتنعت ان موضوع الحرية والتغيير بات هدفها النهائي والأسمى، إذ لم تسمع طوال عقود مراكز المرجعية ولا مجلس تشخيص النظام ولا مدينة قم هتافات مؤثرة توقر آذان القادة والسياسيين في الحكم، فبالأمس القريب كان المتظاهرون يهتفون بسقوط الدكتاتور وانتهاء نظام الملالي وزوال سياسة المرجعيات الدينية، غير إننا في هذه اللحظة الإيرانية المتفجرة نسمع نداءات اشد وأقوى في مناسبة تأبين وفاة المرجع الديني آية الله حسين منتظري، “نمط من أصوات التحدي، “أيتها القوات الأمنية الداخلية وقوات الباسيج والحرس الداخلي موعدنا معكم في عاشوراء” و«إمام الزمان -المقصود المهدي المنتظر- سيظهر نفسه وانه ليس بحاجة لنائب قسري” تلك الهتافات تجاوزت عنان السماء في مدينة نجف آباد، محافظة طهران، مسقط رأس آية الله منتظري. لم تجد محاولات قوات النظام القمعية من ترهيب الناس، فقد كسر الشارع الإيراني حاجز الخوف، ومستعد لكل أدوات القمع القادمة من قبضة النظام وأجهزته التعسفية، لهذا سيسقط في كل مواجهة العشرات من الشبيبة المنتفضة وسيتم اعتقال المئات وجرحهم، ولكن كسر إرادة الانتفاضة ولهيبها بات مستحيلا إذ تحول لحريق واسع، يلتهم كل يوم من بيت القش الرسمي ويفقده اتزانه، ذلك النظام، الذي يعيش على خطاب القوة والأجهزة والجمل الرنانة، بطابعها الديني والأخلاقي. وقد صادقت الجمعية العامة بتاريخ 18 ديسمبر في قرارها والذي من خلاله تدين الانتهاكات الصارخة في إيران، الانتهاكات المستمرة والمتواترة، كحجم الإعدامات المتزايدة وعمليات الرجم وممارسة التمييز والقمع الهمجي ضد النساء، والأقليات الدينية والاثنية وأعمال العنف والترهيب من قبل الميليشيات الحكومية ضد المتظاهرين، الأمر الذي أدى إلى قتل وجرح عدد كبير، وتفعيل محاكمات جماعية، وانتزاع الاعترافات القسرية تحت التعذيب والاعتداءات الجنسية. هذا القرار التاريخي ( قرار 56) في إدانة النظام بحاجة للمزيد من الضغط على النظام من قبل المجتمع الدولي، كما تراه المعارضة، والى جانب عزل النظام ومحاربته تطالب المعارضة بإحالة ملف الانتهاكات في إيران إلى مجلس الأمن الدولي واتخاذ قرارات عاجلة وملزمة بهذا الشأن، عن طريق فرض العقوبات الشاملة. فهل بعد ذلك الاحتقان الداخلي والضغط الدولي بإمكان النظام الهروب للأمام باختلاق مشاكل حدودية مع العراق؟ وتصعيد عملها ضد معسكر اشرف في العراق بغرض ترحيلهم وإغلاق المعسكر الذي ترى فيه رمزية سياسية ونضالية للداخل؟ العالم اليوم ينظر للمربع الإيراني الملتهب وهل سيعود إلى حالة الجذوة مرة أخرى أو يتحول إلى لهيب واسع يحرق الأخضر واليابس؟
 
صحيفة الايام
12 يناير 2010