المنشور

أحمد الذوادي كما عرفته

على مدى أربع حلقات متتالية نشر الكاتب عبدالله خليفة مقالات في جريدة أخبار الخليج تعرض فيها للشخصية الوطنية الكبيرة المرحوم أحمد الذوادي، وحتى لا أكون قاسياً مع أخي عبدالله بمثل قسوته غير المبررة في توجيه سهام نقده تجاه تلك الشخصية، سأقول له على أقل تقدير إنه لم يكن موفقاً في نقده، ولم أجد في ثنايا نقده شيئاً من النقد البناء، بل إن ما وجدته جملة من الإساءات الشخصية للمناضل الكبير الذوادي، بل هي في الحقيقة جملة من الإساءات الكبيرة لجميع القيادات التي عاصرت الذوادي في قيادتها لجبهة التحرير الوطني، وبالتالي هي إساءات تطول التاريخ الوطني وتسفيه له.
أقول: إنه علينا ونحن نوجه سهام النقد لتجاربنا النضالية ولمن تصدى لقيادة الحركات السرية في الزمن الصعب، أن يكون نقدنا هادفاً ومتناسباً مع الظروف التي كانت سائدة في تلك الفترة، وأن لا نأتي بتنظيرات حالية في الوقت المستريح ونسقطها على ذلك الزمن الصعب. بالتأكيد أن حركاتنا السياسية ليست كلها إيجابيات، بل فيها من السلبيات الكثير، لكن تلك السلبيات وإن سلطنا عليها الضوء حالياً، يجب علينا أن ننظر لها وهي في ذلك الزمن وتلك الظروف وأن لا نخرجها عن سياقها التاريخي والمكاني. كما أنه بالتأكيد أننا وقادتنا لم نكن قديسين وملائكة منزلين أخطأنا وأصبنا وفشلنا كثيراً ، لكن علينا أن نؤكد للأجيال الحالية والمستقبلية أن الكثير مما تحقق لشعبنا من مكاسب قائمة ومكاسب آتية هي بفعل نضالات شعبنا وتضحياته وفي مقدمة ذلك نضالات وتضحيات من تصدى للقيادة كالباكر والشملان والعليوات وأحمد الذوادي وعبدالرحمن النعيمي وأحمد الشملان ودويغر ومحمد نصر الله وعواجي ومطيويع وعبدالله خليفة والقائمة طويلة.
باعتقادي المتواضع أن أحمد الذوادي كان قائداً سياسياً متميزاً، وهناك فرق بين من يمتلك الثقافة الفكرية الواسعة والمتخصص في التنظير وهم أناس عادة ما يكونون قليلين، وعادة ما يشار إليهم بالمنظرين الفكريين، وبين أولئك القادة الذين يتصدون لقيادة المنظمات السرية في الزمن الصعب، وهم ليس بالضرورة أن يكونوا منظرين فكريين، ولكنهم يملكون الرؤية التي تحدد المواقف الصائبة، فالذوادي لم يدعِ يوماً أنه منظر في الفكر، لكن معرفتنا به وبمواقفه ومواقف التنظيم الذي يقوده وفي تلك الظروف، كانت تقول إنه كان قائداً صاحب موقف وصاحب رؤية ثاقبة، وإن كنت أنا شخصياً أقف منه في ذلك الوقت في موقع مختلف.
إن ما يميز الذوادي عن الكثيرين من الرفاق في جبهة التحرير وفي الجبهة الشعبية؛ أنه كان ومع وجود الاختلاف بين المنتمين للتنظيمين إلا أن مواقفه ونقاشاته كانت تتميز بالعقلانية والهدوء وعدم التشنج. الذوادي وفي تلك الظروف وتلك المرحلة وبعيداً عن التنظيرات كان يملك عقلية تحليلية ورؤية ثاقبة، وليس كما ذهب إليه عبدالله خليفة في سلسلة مقالاته. إن قوله: ‘’بأن القرارات عموماً في جبهة التحرير قد اتسمت بحلقة ضيقة’’ فإن ذلك باعتقادي هو جانب إيجابي وليس سلبي، وهو ما كان سائداً في التنظيمات السرية كافة ، فنحن كنا في عمل سري صعب، ولسنا في جمعيات سياسية علنية كالتي هي قائمة اليوم، فمتطلبات العمل السري هي خلاف متطلبات العمل العلني.
إن معرفتي ومعايشتي للرفيق الذوادي خارج المعتقل وفي المعتقل وقد جمعتني به زنزانة واحدة، أعتقد أنها تبيح لي القول إنني لم ألمس منه يوماً أن هناك عقلية تشاؤم سوداوية قد سيطرت على وعيه، ولم ألمس منه أن أغلب المناضلين لديه قد تحولوا إلى مشبوهين وأن عليهم علامات استفهام، وهو ما ذهب إليه الكاتب في مقالاته.
من حق المناضلين بعد سنوات من الصعاب أن يركنوا لفترة من الراحة والتفكير، فالذوادي إذا كان قد ركن إلى الراحة فترة ، فهو ليس استثناء ، إنه في نهاية المطاف إنسان، علينا أن نحترم تضحياته وأن نحترم رغبته. إن اللغة النرجسية المترفعة التي تؤدي إلى تضخيم الذات والتقليل من شأن الآخرين لا ترفع من قدر صاحب تلك اللغة. المطلوب من صاحب الثقافة الواسعة والقادر على التحليل أن ينخرط في المجتمع وفي التجمعات كي يتأثر منها ويؤثر عليها.
إن واقع التعامل مع تيارات الإسلام السياسي في التسعينات من قبل الرفاق في الخارج وما عكسه ذلك في الداخل، أو ما عكسه واقع الداخل على الرفاق في الخارج هو نتاج واقع موضوعي وسياسي لم يكن ممكناً تجاوزه والقفز عليه، والكثير من آثار تلك المرحلة لايزال قائماً حتى اليوم. علينا أن نتساءل عن واقع قوتنا في ذلك الوقت، وأقصد بذلك واقع التنظيمين المعنيين وهما جبهة التحرير الوطني والجبهة الشعبية في البحرين، فهو واقع مأزوم وضعيف، لذا علينا عندما نوجه نقدنا أن نأخذ بعين الاعتبار الظروف التي كانت سائدة وأملت علينا اتخاذ تلك المواقف، فموقف الذوادي والنعيمي ورفاقهما أثناء أحداث التسعينات كان موقفاً وطنيا نابعاً من عدالة القضية، فإذا كانت قيادات الإسلام السياسي الشيعي قد استطاعت التفرد والسيطرة على الشارع، فذلك كان نتاج الواقع الذي لم نستطع حتى يومنا هذا نحن تجاوزه.
كم نتمنى على الجميع ممن انتمى إلى التنظيمات المناضلة في الزمن الصعب أن ينخرطوا مجدداً في الواقع السائد اليوم وأن يكونوا قريبين ممن يتصدى للعمل السياسي المباشر بقدر ما يستطيعون، بدلا من الانزواء التام والتنظير عن بعد.
الذوادي أصاب وأخطأ، النعيمي أصاب وأخطأ، جميع المناضلين أصابوا وأخطأوا. المطلوب النقد البناء البعيد عن تحقير الآخرين ووصفهم بألفاظ ونعوت لا تليق بهم.

صحيفة الوقت
2 يناير 2010