المنشور

أوهام في ورق السيلفون!

ذات مرة، وفي أحد البلدان العربية ألقت الشرطة القبض على رجلٍ كان يبيع تأشيرات مزورة للراغبين في الذهاب للعمل في البلدان النفطية لقاء مبالغ كبيرة. الصحافة وصفت الرجل بأنه “بائع الوهم”. إنه حقاً كذلك لأن ما يقوم به هو بيع الوهم لأناس تتضاد رغباتهم مع واقعهم ويتطلعون لتحسين هذا الواقع عبر تحقيق هذه الرغبات أو بعضها، وهي بالمناسبة رغبات مشروعة ومبررة، لكن المسافة بين الرغبة والواقع ليست سهلة الاجتياز، وأحياناً تكون عصية. وهنا تنشأ الأوهام، التي وإن كان لها وجهً يتصل بالحلم، فإن وجهها الآخر ضلالة، جانب الحلم في الوهم يتجلى في تصورك لواقع متخيل تصنعه الرغبات المخفية أو المكبوتة وأحياناً المعلنة، أما جانب الضلالة فيتجلى في تصديق المرء بأن حلمه قد تحقق أو هو على وشك التحقق. وأخطر ما في الوهم هو اليقين الذي يستحوذ على الشخص الواهم بأن وهمه ممكناً دون أن يخضعه لما يمكن أن نسميه الاختبار الموضوعي للأشياء والظواهر والحالات. وحيث يعم الجهل تتسع مساحة الأوهام، لأن حصانة الإنسان البسيط العادي غير العلمي بوجه الأوهام ضعيفة وقابليته لتصديقها كبيرة، فيعوض الوهم ما هو غير متحقق من سعادة مرغوبة. الشخص الذي يبيع التأشيرات المزورة ليس سوى مثل متواضع لباعة الأوهام المنتشرين في الحياة. وصناعة الوهم هي حرفة تقوم بها مؤسسات كبيرة عابرة للقارات في عصرنا الراهن، تلف هذه الأوهام بورق السيلفون وتعلبها في علب أنيقة وتصدرها لبقاع الأرض المختلفة، متوسلة لمختلف أساليب الإبهار والخداع والكذب التي تقوم بها شركات متخصصة تعتمد منجزات علم النفس في قوة الإيحاء والتأثير لتستحوذ على عقول ملايين البشر الذين يقبلون على شراء البضائع، أو المخاطرة بمدخراتهم في مشاريع سرعان ما يتكشف زيفها. الوهم حالة تنفذ إلى خلايانا وتتسرب إلى تفاصيل حياتنا الدقيقة، تحيلنا من الواقع إلى معادلة الرمزي، تسربلنا بأكذوبة كبرى نكتشفها عادة بعد فوات الأوان، أما باعة الوهم أفراداً ومؤسسات فلهم من قوة الحضور والنفوذ بحيث تجدهم عبر شاشة التلفزيون وفي شركات مالية ومصرفية، وفي أناس يصنعون الرأي العام ويقولبونه وفق ما تقتضي المصلحة حتى تغرق الناس في ضلالة الوهم وتفقد إرادة الفعل.
 
صحيفة الايام
30 ديسمبر 2009