المنشور

الأمن والاقتصاد في قمة الكويت

انتهت بتاريخ 14 ديسمبر قمة مجلس التعاون الخليجي في الكويت، بعد أن سبقتها اجتماعات تمهيدية أو تحضيرية عقدها وزراء الخارجية والمالية، كان من أجندتها قضايا اقتصادية عملاقة في مسيرة المجلس، من أهمها موضوع الاتحاد النقدي الخليجي ومشروع سكك حديد مشتركة وإطلاق المرحلة الأولى من مشروع الربط الكهربائي، مثل هذه الأجندة مهمة بكل ما تتضمنه من وحدة اقتصادية فاعلة وفعلية في مجالاتها الداخلية، بحيث تنعكس بصورة ملموسة هذه الانجازات الضخمة على الواقع السياسي والاقتصادي والحياتي لمواطني دول المجلس، بل ولكل الأنشطة الاقتصادية الإقليمية والدولية في المنطقة. يأتي اجتماع القمة السنوي في ظروف مختلفة تماما عن مرحلة الولادة ومرحلة المسارات ومرحلة المتغيرات والانعطافات، حيث يمسك زعماء وقادة المجلس بجوهر الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة، بعيدا عن رؤية الأمور بنظرة عاطفية ومستعجلة، فليس كل مسار مجلس التعاون كان ورديا وسهلا، فمشروع طموح بحجم مجلس التعاون، بحاجة إلى معرفة دقيقة لكل المستجدات ودراية كافية لما يمكن وقوعه والاستعداد له على كافة الصعد. جاء اجتماع الكويت، وكما قال في تصريحه وزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد الصباح في كلمة أمام نظرائه الخليجيين : « إن مجلس التعاون محاط بمستجدات أمنية خطيرة وتداعيات اقتصادية كبيرة تمسه مسا مباشرا، وأضاف لقد شهدنا ما حصل في دبي وهنا يطرح علينا كيف نبني اقتصادا خليجيا يستطيع أن يتحمل هذه الصدمات ويمنعها بأقل كلفة ممكنة «بهذه الروح الجماعية انطلق الاجتماع ليناقش ملفات خطيرة بالفعل فهناك في الجزء الجنوبي من دول مجلس التعاون صراعا شديدا بين النظام اليمني والجماعات الحوثية، والتي تصل حتى حدود احد أعضاء دول المجلس كالمملكة العربية السعودية، دون أن نغفل أيضا إن هناك خطوط تماس حدودية مع سلطنة عمان، مما يعني إن لهيب الوضع الأمني قابل للاتساع، ويصب في جزء من جوانبه مع العمليات الإرهابية المتنوعة، والتي تبقى في دول مجلس التعاون قائمة ولم يتم القضاء عليها نهائيا . غير أن الجانب الأمني من عراق غير مستقر ترتبط حدوده الجغرافية مع دول مجلس التعاون ومياهه الساخنة يبقى قائما، حيث تتطلع دول مجموعة التعاون إلى خطر محدق في هذه اللحظة، قابل للانفجار والمرتبط بالوضع الأمني في الجمهورية الإسلامية، حيث تحاول دول العالم تقليم أظافر الأخطار النووية ومشاريعها المتواصلة في إيران، ولجمها عن ذلك المشروع النووي بأبعاده العسكرية والأمنية، تلك الضغوطات الحالية ربما تدفع المنطقة إلى حافة الهاوية، وتبدأ عملية صدامات جزئية لا تحمد عقباها وتلتهب منطقة الخليج إلى حد الاشتعال السياسي والأمني والعسكري، خاصة وان الوضع الداخلي في إيران يتفاقم نحو التصعيد ما بين المعارضة والنظام، مما يجعل من صقور طهران في لحظة مواجهات داخلية التفكير بتحويل الصراع من الداخل إلى الخارج لتوجيه أنظار الداخل نحو عدو مصطنع أو وهمي، إذ لن تحتمل الجمهورية الإسلامية في ساعات المواجهة الداخلية والضغوطات الخارجية أي قدرة وحنكة على اتخاذ مواقف حكيمة وهادئة للحفاظ على الثورة ونظامها العجوز المفعم بالأزمات والمشاكل المزمنة. يقفز لذهن جيلنا الحرب العراقية – الإيرانية وتداعيات تلك الحرب على المنطقة، حيث دفعت الأنظمة والشعوب تكلفة باهظة ذهبت مبالغها الطائلة في مشاريع إنفاق الحرب المدمرة، تبعتها بعد سنوات عجاف تنمية مضطربة ومتراجعة وحذرة ، عملية غزو صدام للكويت احد أعضاء مجلس التعاون، فوقع العالم في ارتباك دولي لكون المنطقة نقطة ارتكاز اقتصادي نفطي هام لاقتصاد العالم الحر بل وتعتبره دولة كالولايات المتحدة الأمريكية منطقة تخصها ويؤثر على أمنها القومي، دون أن تكشف عن تلك الحقيقة دول الاتحاد الأوروبي واليابان، مع إن الحقيقة تؤكد إن كل المؤسسات النفطية العالمية باتت متواجدة في هذه البقعة النفطية الخليجية الساخنة . لم تنته رحلة سفينة مجلس التعاون بخير بعد هزيمة صدام في الكويت وإنما استمر الوضع متوترا لمدة عقد كامل حتى سقوط الدكتاتور، ودخول العراق في دائرة العنف والأعمال الإرهابية والانقسامات الطائفية والعرقية مما جعل دول مجلس التعاون وقادتها التفكير بكل جدية لوحدة العراق وتجنيبه مخاطر التقسيم ووقوع المنطقة برمتها في مشاريع مماثلة يلعب الكبار بخيوطها في الخفاء. يأتي مؤتمر القمة الثلاثين لدول المجلس التعاون ، منذ قمة ابوظبي الأولى في 25مايو1981 إلى قمة الكويت 14 ديسمبر الحالية وأمامه تحديات مالية واقتصادية كبيرة، إذ تواجه الجميع مسألة ضرورة مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية والتقليل من أثارها على اقتصاد دول مجلس التعاون واحتمال دخول إيران في دائرة الاحتقان والمواجهات الداخلية والضغوطات الدولية، والتي لها انعكاساتها على أوضاع واستقرار دول مجلس التعاون. تبقى مسألة مهمة في هذا المؤتمر هو الدرس التضامني التاريخي بين دول المجلس، لهذا تصبح الأزمة المالية في دبي جزء لا يتجزأ من أزمة عامة للمنطقة، وكل نجاح وتقدم لدبي هو بالضرورة نجاح للمجموعة كلها في الإقليم ، بل ونجاح للتجربة العربية في مجال التنمية المستدامة.
 
صحيفة الايام
29 ديسمبر 2009