المنشور

«هوبن هايجن».. لم تعد أملاً!

بعد انتهاء مداولات قمة التغير المناخي لأعمالها في العاصمة الدانماركية كوبن هايجن، في الفترة ما بين السابع والثامن عشر من ديسمبر الجاري، خرجت الكثير من المسيرات والتظاهرات في شوارع العديد من مدن وعواصم العالم منددة بما توصلت إليه وفود أكثر من 192 وفدا دوليا شاركت في أعمال المؤتمر، الذي كان مؤملا منه الخروج بعمل ميداني فوري يتجاوز البيانات السياسية كما ذهب إلى ذلك الرئيس الأميركي اوباما في معرض تعليقه على توافقات اللحظة الأخيرة المنتظرة من القمة. من بين تلك المسيرات الحاشدة، رفعت مسيرة نشطاء البيئة في العاصمة البريطانية شعارات عدة كان من بينها شعار سهل لكنه معبر يقول» مناخ كوكبنا في أيدينا «. قبيل انطلاق القمة أعطى المنظمون لأنفسهم وللعالم أجمع دفعة من الأمل عندما أعلنوا أن قمة كوبن هايجن هي قمة الأمل للبشرية، فأطلقوا عليها قمة «هوبن هايجن». لكن سرعان ما برهنت المداولات على فشل العالم بدوله الصناعية الكبرى والناشئة والنامية في تحقيق ما كان متوقعا منها، حيث الأماني والطموحات الكبيرة في عالم يستطيع أن يقرر مصيره لو أراد بجعل كوكب الأرض أكثر أمنا، مبتعدين به عن ما ينتظره من مصاعب أصبحت بفعل تخلف السياسات العالمية وتراجع التعاون الدولي ونزعة الهيمنة والاستحواذ والتسلط، أصبحت مرئية للجميع دون استثناء، فها هي الكوارث البيئية والفيضانات وتزايد حرارة الأرض والبحار وعوامل التصحر، أصبحت ملحوظة في كل مكان تقريبا، منذرة بأوخم العواقب إذا ما استمر تجاهل حكومات العالم لما هو مطلوب منها. في العام 2007 حذرت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي التابعة للأمم المتحدة المجتمع الدولي من مواجهة مزيد من الفيضانات وانحسار الحياة البرية وارتفاع مستوى المحيطات والبحار وتفشي موجات الجفاف وتزايد أعداد اللاجئين، ولكن يبدو أن ذلك لم يحرك ساكنا لدى الجميع خاصة من يمتلكون ناصية القرار العالمي، ومن يلوثون المناخ بصناعاتهم دون توقف، وفي العام ذاته أقرت محادثات «بالي» باندونيسيا بدء العمل على اتفاقية مناخ جديدة تكون بديلا لاتفاقية وبروتوكول «كيوتو» الموقعة منذ العام 1997 حول الأمر ذاته. على هذه الخلفية التاريخية جاءت مداولات كوبن هايجن بأمل الخروج بمعاهدة دولية تلبي ولو جزءا من طموحات البشرية في كبح إنبعاثات ما يطلق عليها بالغازات الدفيئة وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون، وبشكل يسمح بعدم تخطي حرارة الأرض أكثر من درجتين، فقد سارعت الدول النامية بالمطالبة بخفض نسبة الانبعاثات بين 40 – 25 % موجهة اللوم للدول الصناعية بأنها المتسبب الرئيسي في نسب التلوث المناخي، فيما تعهدت دول الاتحاد الأوروبي قبيل انتهاء أعمال المؤتمر بخفض نسبته 20% في الأحوال العادية، وبنسبة 30% في حال تم التوصل إلى اتفاقية جديدة، أما استراليا ونيوزيلندا فقد أعلنتا أنهما على استعداد لتحقيق خفض كبير في انبعاثاتهما بحلول 2020. ومن بين أهم المصاعب التي اعترضت نجاح المؤتمر برزت قضية الأعباء المالية، ومستويات الخفض المتوقعة خاصة بين كلا من الصين والولايات المتحدة، علاوة على اعتراضات الدول النامية فيما اعتبرته تهميشا لها . وبالفعل جاءت النتائج مخيبة للآمال بشكل كبير، حيث لم تتوصل القمة إلى صياغة معاهدة كوبن هايجن كما كان منتظرا لها واكتفي فقط بإعلان عبر بشكل جلي عن حجم الخلافات والتباينات في المواقف بين الدول الصناعية والناشئة والفقيرة، حيث صادق ما مجموعه 30 رئيس دولة ورئيس حكومة على الإعلان الذي رفع فيما بعد للجمعية العامة للمؤتمر، وسط اعتراضات كبيرة لم يسمح وقت المؤتمر بإعطائها متسعا من المناقشة والتمحيص، فجاء إعلان إنشاء صندوق مالي لمساعدة الدول الفقير على مواجهة التداعيات الناجمة عن التغير المناخي بمبلغ 100 مليار بحلول العام 2020 بمثابة ذر للرماد في العيون، مع تحديد المؤتمر لسقف زيادة مسموح به في مستوى درجتين مئويتين، مقارنة لما كان عليه الوضع قبل الثورة الصناعية، والاكتفاء بالتزام خطي من الدول المشاركة مع نهاية شهر يناير دون تحديد مجرد إطار زمني لوقف تلك الانبعاثات! هكذا إذا كان الوضع العالمي شفافا لكنه معقد وبائس ومرعب بحق، إذ أننا نتحدث عن اكبر مؤتمر سياسي عالمي، حين يعجز عن التوصل إلى اتفاق يلجم حالة الانفلات والتهور واللامبالاة، فيما ينتظر العالم وكوكب الأرض أيام وسنوات وكوارث ومتغيرات ضخمة قادمة لا محالة دون أمل للبشرية في الخروج من تداعياتها المكلفة.
 
صحيفة الايام
27 ديسمبر 2009