المنشور

هذا هو الردّ على الفتنة!


مع التفهّم التام لمشاعر المرارة عند المواطنين الكويتيين من أبناء القبائل، الذين أساءت إليهم «الأبواق» و«القنوات» المشمولة بالرعاية، فإنّ المشكلة أكبر وأخطر من أن تكون مجرد إساءة مرفوضة موجّهة ضد قطاع واسع من أبناء الشعب الكويتي الواحد، وإنما هي فتنة افتعلها رعاة هذه «الأبواق» و«القنوات» وحاولوا إشعالها مرات ومرات قبل هذه المرة بهدف تمزيق النسيج الوطني الاجتماعي وتأجيج صراعات فئوية ومناطقية تمهد السبيل نحو تحقيق المؤامرة الكبرى المتمثلة في فرض أوضاع استثنائية متعارضة مع النظام الدستوري في البلاد وتمرير مشروع «الدستور البديل» لدستور 1962 عبر آلية الاستفتاء العام الشبيهة بما يحدث في بعض الأنظمة العربية الاستبدادية… وربما ينطبق الأمر ذاته في المحصلة النهائية إن لم يكن في الظروف والملابسات والدوافع على ما نشهده من استفزاز طائفي مرفوض تقوم به بعض العناصر الهامشية المتزمتة في شهر محرم الحرام تحديداً!

إنّ الردّ الفعال والواعي على الفتنة لا يتحقق بالانسياق وراء الاصطفافات الفئوية والاستقطابات المناطقية والنعرات الطائفية والتعامل مع ما حدث أو يحدث على أنّه صراع فئوي قائم بين الحضر وأبناء القبائل؛ أو اصطراع مناطقي كامن بين «سكان المناطق الداخلية» وسكان «المناطق الخارجية»، أو خلاف طائفي ممتد عبر التاريخ بين السنّة والشيعة… فهذه هي بالضبط الفخّ، التي يحاول مثيرو الفتنة والمستفيدون من إثارتها أن يوقعونا فيها!

إنّ الردّ الفعال والواعي على محاولات إثارة الفتنة يتطلب أولاً التحلي باليقظة تجاه مثل هذه المحاولات الدنيئة… ويتطلب ثانياً فضح أهدافها الخبيثة… ويتطلب ثالثاً كشف دعاتها ورعاتهم… ويتطلب رابعاً التمسك بمفهوم المواطنة الدستورية، التي هي ملاذنا الأوحد كأبناء لهذا الوطن الواحد؛ وذلك بغض النظر عن أصولنا وانتماءاتنا وطوائفنا ومناطق سكنانا.

وغير هذا وإن كان ذا صلة، فربما قال قائل عن سذاجة أو قصر نظر إنّ ما أثير يقع في إطار حرية الرأي أو حرية التعبير، اللتين كفلهما الدستور.. وهذا تبسيط وتسطيح، فنحن في واقع الحال أمام حملات إثارة متعمّدة ومتواصلة، ودعوات تحريض كريهة، ومحاولات عنصرية مقصودة للحطّ من شأن بعض فئات المجتمع الكويتي، ونحن كذلك أمام استفزاز تقوم به عناصر متزمتة طائفياً، وبالتالي فإنّ الأمر أخطر من أن ننظر إليه ببراءة أو سذاجة أو حسن نيّة على أنّه حرية رأي أو حرية تعبير… إنّها عنصرية مقيتة وطائفية بغيضة لا يجوز التسامح معهما… ولا أضيف جديداً عندما أذكّر بأنّ البلدان الديمقراطية المتقدمة تحظر الدعوات العنصرية، وهذا ما يشمل هناك الأفكار والجماعات النازية والفاشية؛ بل إنّه يطال أيضاً ما يسمى «معاداة السامية»، فيجرّمها ويعاقب عليها، خصوصاً بعد التجارب الدامية المريرة، التي ذاقت فيها تلك البلدان والمجتمعات ما ذاقته من ويلات التسامح الساذج أو الانتهازي مع تلك الدعوات والجماعات العنصرية فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما تسببت فيه من مذابح وكوارث وحروب أهلية وصولاً إلى الحرب العالمية الثانية ذاتها… ولهذا فقد حظرت دساتير العديد من البلدان الأوروبية هذه الدعوات والجماعات وجرّمت قوانينها دعوات الكراهية العنصرية، ولم يدع أحد هناك أنّ مثل هذا الحظر والتجريم منافيان لحرية الرأي أو حرية التعبير، حتى وإن كانا  كذلك بالفعل!

إنّ قانون المطبوعات والنشر وقانون الإعلام المرئي والمسموع على سوء بعض أحكامهما إلا أنّهما يحظران نشر أو بث ما من شأنه الحضّ على كراهية أو ازدراء أي فئة من فئات المجتمع، وهذا ما يفترض أن يكون، والأهم هو أنّ هذا هو ما يفترض أن يطبّق ليس تجاه هذه «الأبواق» و«القنوات» فحسب، وإنما بالأساس تجاه رعاتها الذين حان الوقت لإخضاعهم للمساءلة السياسية إن لم تكن ممكنة مقاضاتهم قانوناً!
ولكن الخشية أنّه بدلاً من ذلك فقد يتم استغلال ما حدث لفرض مزيد من القيود على الحريات العامة، وبذلك يتحقق جزء آخر من المؤامرة الكبرى، التي ننبّه إليها بعد أن بلغتنا تفاصيلها! 



 
جريدة عالم اليوم  21 ديسمبر 2009