المنشور

هل البحرين دولة فقيرة؟!


فلنقرأ معاً تلك العناوين..

 4000 منزل – في المحافظة الشمالية وحدها – عصفت بها الأمطار.. 39 قرية بلا بنية تحتية.. مواطنون يهجرون منازلهم.. مواطنون يفترشون الشوارع خوفاً من تهاوي السقوف على رؤؤسهم..  تماسات كهربائية في مناطق متفرقة من البلاد.. 95 موقعاً في البحرين تتعرض لتجمع أمطار غزيرة..  احتراق مولدات كهرباء في مجمعات عدة..  شوارع تغرق بالمستنقعات ومجمعات تغرق في الوحل..  يا ترى، ما منسوب الأمطار التي هطلت لتفعل كل هذا؟! على حد علمنا لم نواجه سيولاً ولا فيضانات ولا زلازل لنعيش هذا الوضع المزري الذي يجعلنا مصداق المثل الشعبي القائل «يغرقون في شبر ميه»!

البحرين، دولة نفطية تتوسط إقليماً جغرافياً حباه الله بالثروة والرفاهة، وخلافاً لكثير من دول الخليج لا تملك البحرين رقعة جغرافية شاسعة ممتدة ذات طبيعة جغرافية جبلية أو صحراوية تجعل التأسيس لبنى تحتية تحدياً.. وليست – رغم التشويه الديموغرافي – ذات تعداد سكاني قاصم للظهر معوق للتنمية.. ورغم أن الحكومة ضخت على مدار عشرات السنين أموالاً للتأسيس للبنى التحتية، إلا أن الأيادي «الطويلة» لبعض المتنفذين نالت منها وأبقت لنا على بنى تحتية هشة لا تصمد أمام زخة مطر ولا حتى أمام الزيادة الطبيعية للمركبات والمباني والبشر والمركبات.. لاحظوا أن المدن، وحتى الجديدة نسبياً منها، تحتاج إلى إعدادات كهربائية إضافية أحياناً لتحتمل إضافة عمارة واحدة على المجمع؛ وإن الشوارع تهترئ بعد 4 سنوات من الاستخدام أحياناً، وهي التي يجب أن تصمد 3 أضعاف تلك المدة.. وإن دل ذلك على شيء فيدل على متانة بنائها وسلامته!

نعم..  لا تشبه البحرين باقي الدول النفطية المرفهة..  هناك مناطق تصقل بشكل جيد، ولكن نسبتها لا تقارن بتلك المهملة والساقطة من الحسابات.. وإن كان هذا الحال بالنسبة للأسمنت والحجر.. فلنتأمل قليلاً حال البشر.. لن ننّظر هنا ونتحدث عن حذاء الفقر الذي يدوس على شرائح الشعب.. ولن نفجعكم بالحديث عن الرواتب ولا عن التضخم ولا عن تفجر أسعار العقار من جراء سياسات فتح الباب للتملك لغير البحرينيين.. بل سنتحدث عما كشفت عنه معونة الغلاء «المعونة التي ساء صيتها بالشكل الذي أوجب حتى تغيير اسمها»، عندما أُقرّت علاوة الغلاء نقول، ورغم شروطها الصعبة، كان هناك في البدء 98 ألف رب عائلة مستحق لها! ولأن الرقم شكّل صدمة للقائمين خُفض – بطريقة أو بأخرى – إلى 69 ألفاً، ثم إلى 40 ألفاً، ثم تناقص إلى 20 ألفاً، ولا نعرف إلى أين وصل الرقم الآن!

إلى ذلك، كشفت لجنة التحقيق البرلمانية في أملاك الدولة حقائق كثيرة عن ملكية الأراضي العامة والخاصة في البلاد، والتي – ووفقاً للجنة – لم يبق منها سوى 2454 عقاراً في ظل ضياع بعض الأملاك ومصادرة بعضها الآخر.. هذا ومازال هناك إشكال عالق بشأن الأراضي المدفونة، وهل هي أملاك خاصة أم عامة، وإن كانت خاصة فما مدى مشروعية وقانونية تخصيصها كما هو جار الآن؟! أعتقد أننا، من خلال ما أسلفنا نريد أن نقول: إنّ هناك مكامن خلل في البلاد قادت إلى ما نحن فيه من حياة تشبه الفقر أكثر مما تشبه الرفاهة التي يتوق لها الشعب.. في البحرين، مشكلتنا الأولى اقتصادية معيشية، وما المشكلات السياسية التي نغرق فيها إلا تبعات للمشكلة الاقتصادية الأم.. وليس الفساد وحده الملام في ذلك، بل هو أيضاً تخبط الرؤية بشأن الأولويات، والناظر إلى موازنة البلاد للعام 2009/2010 يستطيع أن يرى بجلاء سوء توزيع المصروفات والموازنات بين وزارات الدولة.

وحتى تتبع الحكومة مكامن النزف في موازنتها ومشروعاتها.. وحتى تقرر أن الفقر لا يناسب شعباً خليجياً مطوقاً بكل مظاهر النعمة والثراء.. فلن تحل مشكلاتنا ولن نذهب إلى أي مكان.

الوقت 14 ديسمبر 2009