المنشور

القمة الثلاثون لمجلس التعاون الخليجي

عن المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت الراحل صدرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 1980 دعوته لإخوانه حكام الدول الخليجية الخمس الأخرى لتشكيل تكتل إقليمي لهذه الدول. وقد أعلن عن تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمة أبوظبي العام .1981 واليوم، الاثنين، تنطلق القمة الثلاثون للمجلس على أرض الكويت الشقيقة. وبهدف متابعة أعمال القمة وتغطيتها عن كثب سأكون هنا من بين أكثر من 300 إعلامي خليجي وعربي وأجنبي تمت دعوتهم من قبل اللجنة الإعلامية المنبثقة عن اللجنة الخاصة للإعداد للقمة.
الأهمية الاستثنائية لهذه القمة أنها تأتي وسط تلاطم أمواج أزمة اقتصادية عالمية حادة انطلقت موجتها الأولى من مركز النظام الرأسمالي العالمي، وها هي مقدمات الموجة الثانية تنطلق من أطرافه. كما أنها تأتي وسط أوضاع داخلية غير مستقرة في كل من اليمن والعراق وإيران، وهي دول كبيرة في منطقة الخليج والجزيرة العربية، لكنها خارج إطار المجلس.
الموجة الثانية للأزمة الاقتصادية العالمية والتي شهدنا أول علائمها في دبي ترسل إلى القمة رسالة قوية مفادها أن تجربة التعامل مع هذه الأزمة والتي جرت لحد الآن على هيئة قرارات سياسية من قبل كل كيان خليجي بشكل انفرادي يجب أن تنتهي. فالعالم من حولنا يخوض معركة مواجهة الأزمة عبر جبهات تشكل كل منها تكتلا اقتصاديا إقليما. وبما أن عنوان الأزمة مالي في الأساس، لذلك فإن السعي لبناء نظم إقليمية مالية ونقدية على أنقاض النظام المالي- النقدي العالمي ذي المركز الواحد يشكل العنوان الرئيسي للخروج من الأزمة ببدائل مسبباتها. بالنسبة لمنطقة الخليج المصدرة لأهم سلعة استراتيجية في مبادلات التجارة الدولية، وذات العوائد المالية المتراكمة في شكل ‘’فوائض’’ دولارية، فإن مسألة بناء هرمها النقدي والمالي الإقليمي تعتبر حيوية للغاية. وفي الأيام الأخيرة قبيل انعقاد القمة الثلاثين تتسارع مؤشرات التوجه نحو إقرار مشروع الاتحاد النقدي والعملة الخليجية الموحدة على نحو إيجابي. ففي الأسبوع الماضي صدَّق برلمانا الكويت والبحرين على هذه الاتفاقية ليصبح عدد الدول الموافقة أربعا. كما أذاعت ‘’كونا’’ خبراً عن مساع كويتية من أجل عودة الإمارات وعمان إلى خطة العملة الموحدة. بقي أن ننتظر بتفاؤل أن تسجل القمة الثلاثون إعلان الاتحاد النقدي والعملة الخليجية. وسواء تضمنت الخطة نقلة جماعية مباشرة أو اعتمدت الآلية المرنة التي اقترحتها الكويت قبل ثلاث سنوات والتي تسمح بالانتقال بسرعات مختلفة، فإن آمال شعوبنا بهذا الصدد يجب ألا تخيب. أما مسألة الارتباط بالدولار من عدمه، رغم اعتقادنا بأهميتها الحيوية وانتمائها إلى مستوى الاقتصاد السياسي فلا ضير من اعتبارها حاليا مسألة ‘’فنية’’ يمكن إرجاؤها إلى ما بعد القمة.
إن عددا من التحولات التكاملية الطابع يخلق حاضنة طبيعية لقرار إيجابي بشأن الاتحاد النقدي والعملة الموحدة. ففي يوم الافتتاح نفسه سيجري حفل تدشين مشروع الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الذي انتهت مرحلته الأولى بربط البحرين والسعودية والكويت وقطر. وستضم المرحلة الثانية ربط الإمارات وعمان. أما الثالثة فهي ربط الشبكتين في شبكة خليجية موحدة تشكل قاعدة للدعم المتبادل بين دول المجلس في مجال الطاقة الكهربائية عصب الصناعات لبلدان المنطقة وتلبية الحاجات الاستهلاكية لشعوبها. كما ستشهد الفترة الأولى من العام 2010 بدء العمل في تنفيذ الجسر الاستراتيجي الموصل بين الشقيقتين قطر والبحرين ومعه القطار السريع. وكذلك مد طرق السكك الحديد داخل وعبر دول التعاون. كما سيناقش المجلس دعوة قطر لتأسيس بنك إقليمي خليجي استثماري لتمويل المشروعات التنموية على غرار البنك الأوروبي للتنمية.
وإذا كان هدف هذه المشاريع التكاملية النهائي هو وحدة شعوب دول المجلس وتلبية حاجات تطورها، فإن مسألة إشراك هذه الشعوب في صنع وتنفيذ القرار على مستوى كل دولة وعلى مستوى المجلس أصبحت تطرح نفسها بإلحاح في ظل التطورات السياسية التي يشهدها العالم.
وبما أن دول ‘’التعاون’’ تقع في محيط الخليج والجزيرة الأوسع من إطار الدول الست، فإن علاقة ‘’التعاون’’ بكل من ثالوث إيران، العراق واليمن سيعتبر من أهم محكات اختبار السياسية الإقليمية المشتركة لدول التعاون. إن تحييد العامل الأيديولوجي المذهبي الديني في التعامل مع بلدان هذا الثالوث يعتبر الحاسم للانتقال بالعلاقات نحو ترسيخ دعامات قوية لبناء الأمن والاستقرار والتعاون من أجل التنمية في عموم المنطقة. ولعل دعوتا نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد صباح السالم ووزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة في افتتاح مؤتمر ‘’حوار المنامة’’ السادس الجمعة الماضية تشكلان ملمحا مهما للسياسة الإقليمية المقبلة لمجلس التعاون.
لقد لعبت دول ‘’التعاون’’ كلا على انفراد أدوارا مهمة في التعامل مع الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط عامة والقضية الفلسطينية خاصة. وواضح أن هذه الأدوار لم تأت متناغمة في كل الأوقات. وبينما لا يمكن لمجلس التعاون أن يضمن استقراره وتطوره بمعزل عن الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية حلا عادلا على أساس قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، فإن المصلحة الذاتية والقومية تقتضيان صياغة سياسة خليجية واضحة على هذا الصعيد.
وبينما سيكون من مصلحة بعض الدول الكبرى الاستفراد بدولنا الخليجية في اتفاقيات اقتصادية أو أمنية ثنائية على غرار اتفاقيات مناطق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية، فإن مصلحة مجلس التعاون في نسج علاقاته المتعددة الجوانب بدول العالم وتكتلاته الإقليمية بشكل جماعي في إطار المجلس. وهذه أيضا إحدى أهم القضايا التي ينتظر الرأي العام الخليجي فيها رأيا من القمة التي نتمنى لأعمالها كل النجاح.
 
صحيفة الوقت
14 ديسمبر 2009