المنشور

استراتيجية «تمكين» الجديدة

بتجرد نستطيع أن نؤكد أن طرح صندوق العمل “ تمكين” لاستراتيجيته الجديدة يمكن أن يعتبر مؤشرا حقيقيا على جدية التوجهات الرسمية المعلنة مؤخرا باتجاه تمكين المؤسسات والقوى العاملة البحرينية، فالاستراتيجية التي طرحت نهاية شهر أكتوبر الماضي تؤشر بوضوح على حيوية غير مسبوقة لم نعهدها منذ فترة، هي عبارة عن سباق مع الزمن لبلوغ الأهداف الاستراتيجية الأولية بحلول المرحلة الأولى من رؤية البحرين 2030، وكما أعلن سيتم استهداف تطوير إنتاجية أكثر من 5500 مؤسسة ونحو 20 ألف بحريني مع نهاية نهاية 2014. استراتيجية “تمكين” الجديدة هذه تقوم على ما مجموعه 50 برنامجا خلال خمس سنوات من الآن مقسمة على ثلاث مراحل قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، تشكل في مجملها مجموعة أهداف استراتيجية، تسعى “تمكين” لتحقيقها ضمن الرؤية الاستراتيجية الشاملة، وجوهرها تحقيق طموح جعل الأيدي العاملة البحرينية الخيار الأمثل أمام صاحب العمل، لملء الشواغر الوظيفية في مؤسسات القطاع الخاص من الآن فصاعدا، وبالتالي العمل من خلال ذلك على تطوير مهارات العمالة البحرينية ودعم الاستثمارات الأجنبية المباشرة لوجستيا، مع تقديم ضمانات مصرفية للشركات الصغيرة والمتوسطة بنسب لا تقل عن 50% من قيمة القروض لتلك الشركات، وأن تكون نوعية الوظائف المراد إشغالها ذات مردود مالي جيد للبحرينيين، حيث تطمح الاستراتيجية لدعم توظيف ما لا يقل عن 3600 بحريني سنويا، دون أن تحدد الاستراتيجية طبيعة مؤهلاتهم، فهل سيكونون من الخريجين الجامعيين أو المهنيين أم من سواهم؟! خاصة أن هناك برنامجا آخر تم الإعلان عنه قبل ذلك، يهدف لتوظيف الخريجين الجامعيين تتبناه وزارة العمل رصدت له ميزانية ضخمة وتسهم فيه “تمكين” أيضا! الاستراتيجية كما طرحت أمام وسائل الإعلام مؤخرا، تستلهم عوامل نجاحها من عدة معايير تجدر مناقشتها، هي في الأصل عبارة عن تحديات لابد من أن تخرج من حيزها النظري الصرف ليتم التعاطي معها على أرض الواقع، لعلنا نذكر من بينها هنا الإشارة إلى “ ضرورة رسم سياسة واضحة المعالم والأهداف باتجاه التنوع الاقتصادي وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية، علاوة على تشجيع الاستثمارات المحلية بطبيعة الحال، وتطوير إنتاجية الشركات وتنمية نسبة الصادرات بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق عامل الابتكار والإبداع، والتركيز على أولويات تتمثل في عدة قطاعات استهدفتها الإستراتيجية من بينها قطاعات المال والتأمين وخدمات الأعمال والسياحة وخدمات الاتصالات والترفيه والثقافة التي وجد أنها ملائمة لبيئة البحرين الاقتصادية” كما تذهب إلى ذلك الدراسة. من الواضح أن جملة التحديات تلك تحتاج إلى عمل محسوس ومبرمج ومتكامل وصبور من قبل إدارة “تمكين” فالمسألة كما يتضح من الأهداف المطروحة تتجاوز كثيرا صلاحيات وقدرات “تمكين” في الأساس، لتستدعي جهودا متكاملة وخطة شاملة على مستوى الدولة، فالتنويع الاقتصادي وتنمية نسبة إسهام الصادرات في الناتج المحلي الإجمالي وحتى استهداف قطاعات بعينها ليست من مسؤولية “تمكين” لوحدها، حتى يتسنى لها الاستفادة من آلاف الوظائف التي تملأها الأيدي العاملة الأجنبية في الوقت الراهن ليصبح باستطاعة البحرينيين إشغالها بشيء من التدريب ضمن جهد مشترك مع وزارة العمل المتحكمة في صنبور تدفق العمالة الأجنبية. وإذا تركنا التمنيات وحسن النوايا جانبا وركزنا على الأولويات والمتابعة الحثيثة والشفافة في تنفيذ تلك البرامج الطموحة، فهي رهن بتحقيق أقصى قدر من الشراكة بين مختلف الشركاء المفترضين بما فيها أطراف رسمية وأهلية من ذوي المصلحة الحقيقية، وذلك ما اعتبرته إدارة “تمكين” محقة بحجر زاوية المشروع برمته، حينذاك فقط نستطيع أن نتفاءل بنجاح الإستراتيجية الجديدة. الأمر إذا يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة المؤسسات الرسمية المختلفة على تحقيق شراكة فاعلة فيما بينها وبين بقية مؤسسات القطاع الخاص، باتجاه تحقيق الأولويات المطروحة لإنجاح برامج وخطط “تمكين” المعلنة، كما أن القدرة على تسويق المشروع وجعله جاذبا لقطاعات واسعة من الخريجين والخريجات الشباب هي في حد ذاتها ضمانة مطلوبة لنجاحه، ومن شأنها أن تعجل بقطف ثماره بشكل مدروس من قبل بنات وأبناء البحرين ومؤسسات القطاع الخاص خلال فترات زمنية نرجو أن لا تطول. غاية القول إن استراتيجية “تمكين” هذه لا ينقصها الطموح وستظل حلما مشروعا يراود مخيلتنا جميعا، لكنها وبالقدر ذاته ستظل في مواجهة تحديات نرجو أن يتم تذليلها ودراستها بشكل موضوعي مسبقا.
 
صحيفة الايام
6 ديسمبر 2009