المنشور

بيرلسكوني رجل السياسة والمال والنساء

يتميز المناخ السياسي والإعلامي في أوربا والغرب عموما، بان الأسرار ماعاد بالإمكان حفظها في أرشيف ارضي للأبد. والمثير أن تجد أعلى واقوى رجل في الدولة والمجتمع معرضاً إلى أن يقف داخل قفص الاتهام، طالما شعار الدويلة الديمقراطية، هو لا يوجد شخص فوق القانون . هكذا قالت أيضا وزيرة العدل السويسرية في قضية المخرج الأمريكي من أصل بولندي بولانسكي “ إن القانون لا يعرف شخصا عاديا أو مشهورا، فالجميع أمام القانون سواء “ . فهل يستحق سيلفيو بيرلسكوني رئيس وزراء ايطاليا وقفة منا، وهو الذي أثار غبارا دون حياء ويتحدث دون خوف، انطلاقا من سطوة المال والسياسة ، في مجتمع تتداخل فيه عملية الفساد المالي بالفساد الإداري، وتتشعب فيه الجريمة مع التشعب السياسي العقائدي المتنوع، بثقافة رومانية عتيقة مشدودة للإباحية والفضائح والصراحة . ايطاليا القرن الواحد والعشرين تكشف عن عورتها السياسية وفسادها في صورة ذلك التنين، لذي صعد خلال عقود قليلة للسلطة، بعد أن استقوى ماليا وتغلغل اجتماعيا وإعلاميا . ويشكل نموذج بيرلسكوني نمطا من الأثرياء الجدد في العقود الأخيرة من القرن المنصرم، فهناك ثلاثة نماذج من الأثرياء في العالم ، رجل ورث ثروته عن العائلة ورجل راكم ثروته حرفيا واستثمرها، ورجل جاء من وسط الفساد والجريمة فبات إخطبوطا في المجتمع ويحظى بالاحترام والتصفيق، وبرلسكوني يمزج ما بين الثاني والثالث وقد تطور ضمن الآليات التي تدار بها مؤسساته المالية والاستثمارية والإعلامية . هذا الرجل السياسي ، المقاول “المصرفي” وصاحب شركات التامين العملاقة، ومالك الميديا الضخمة والمتعددة والرياضة في ايطاليا ليس إلا سيلفيو الشاب في كلية القانون، و المحب للعزف ومؤلف كلمات الأغاني وزير النساء، بل والغريب ان موضوع ومادة تخرجه في القانون عام 1961 هو “ الجوانب القانونية في الدعاية والإعلان !! “ . ولكن ابن موظف البنك المنتمي للطبقة الوسطى، عرف كيف يقفز من حرفته إلى أول مشروع مقاولات في ميلانو، وهي التي ستشكل الطريق السهل إلى تراكم ثروة المستقبل ، والتي حسب مجلة فوربس عنه، بأنه يمتلك ما يقرب من عشرة مليار يورو وهو ثالث رجل ثري في ايطاليا ، غير ان ثروته الحقيقية ستأتي من مؤسسته (1978) “فيني انفست “ . وخلال خمس سنوات من تكوينها استطاع ان يربح 260 مليون يورو، وغير المعروفة مصادر تمويلها المالي نتيجة التركيبة القانونية المعقدة لهذه المجموعة المتداخلة من الشركات، ومازالت حتى اليوم النيابة العامة الايطالية تحقق فيها . مالك “ مونداتوري “ وهي أهم الشركات الايطالية للنشر ، و “ميديا لانوم” وفيني انفست “ تمتلك أضخم الشركات العاملة في مجال التأمين والمصارف ، كما تعمل “ ميدوسا “ كشركة إنتاج للأفلام الايطالية ، هذا الرجل المالك لنادي ميلان يستحوذ على “ ميدياست “ “وانديمول “ وهي من أضخم الشركات التسويقية والإعلانية والمالكة لأربع محطات تلفازية فضائية ، والتي يملك اغلب أسهمها مع الأمير الوليد بن طلال . هذا الرجل المدفون بين أرصدة البنوك والثروة ، سيرى طموحه في مطلع التسعينات نحو مقعد السلطة السياسية ومنصب رئيس الوزراء. ما بين 1994-2009 استطاع بيرلسكوني تأسيس حزب سياسي جديد ( فورزا ايطاليا “ وتعني إلى الإمام يا ايطاليا كنظيره حزب كاديما الإسرائيلي، مؤلف من تشكيلة اتجاهات عدة ، المسيحي ، والديمقراطي ، والليبرالي ، والليبرالي المحافظ ، بحيث فاز الحزب برئاسة الوزراء أربع مرات . وإذا ما كانت زوجته الخيرة فيرنيكا لاريو، والتي تطلب الطلاق ، اقترحت أن ينام زوجها في المستشفى وتلقي العلاج في “ عيادة جنسية “ ، فان المجتمع الايطالي وإعلامه لا يتوقف عن ملاحقة مغامراته.
 
صحيفة الايام
6 ديسمبر 2009