المنشور

كونوا شملانيين وكفى


لم يكن ثمة من رد على دعوة الاصطفاف المذهبي التي دعا لها البعض همسا ودعا لها النائب الشيخ السعيدي علنا أبلغ من تكريم أحمد الشملان، الإنسان الذي تخطى حواجز المذهبيات والأيديولوجيات والعصور.

يكاد الشملان ونفر قلائل يكونون من بين الذين اعتقلوا في كل الموجات والهبات النضالية لشعب البحرين التي عاصرها في حياته لا فرق بين أيام القوميين فاليساريين فالإسلاميين لأن بوصلته كانت إنسانية.

وليلة الاحتفاء بمقر المنبر التقدمي بصورته في عيون رفاق الدرب ومعاصري النضال، تميز منصور الجمري عن الكلمتين الأخريين بأنها كانت كلمة شملانية فعلا تستلهم شخصية الشملان وكونيته وخاصة حين قال منصور الجمري إن غياب شخصية كالشملان تتسامى فوق الاختلافات وتطرح مشروعا وطنيا جامعا هو أحد أسباب التشطير الطائفي.

لم يستخدم الشملان أبدا في كل مقالاته عن الحركة الدينية كلمة ‘الظلامية’ و’الرجعية’ التي يحلو لليسار المدرسي العزف عليها بين فترة وأخرى.
ولم يضع الشملان لحظة واحدة كل الحركة الإسلامية في سلة واحدة كما يفعل الكثير من اليساريين اليوم، لا لشيء إلا لأن الكسل الذهني يدفعهم لاستسهال حشد المختلفين في سلة واحدة ليسهل التخلص من عبء التمييز بين التيار الديني المناضل والتيار الديني المحافظ، وبين العمامة المجاهدة والعمامة الراقدة وبين الخطاب الديني الوطني والخطاب الديني الطائفي، ويرفع أصحاب الكسل الذهني شعار لا خير يرجى من الحركة الدينية وأنها في النهاية سوف تصطف طائفيا شاءت أم أبت غاضين النظر عن الوقائع التي تكذب نظرياتهم.

لو أن الشملان جلس أيام التسعينيات الملتهبة ليستمع لنصائح المنظرين الطبقيين وهم يقولون له حينئذ هذه ليست ساحتك، بحسب تعبير منصور الجمري، هذا مجرد عنف ديني ضد الدولة الحديثة، هؤلاء أسوأ أصلا من طغيان الدولة، وغير ذلك من الكليشيهات المعلنة والخفية، لما كان الشملان هو الشملان ولتمكنت القوى المضادة للتغيير يومئذ من القول هذه حركة دينية مذهبية محضة لا مطلبية ولا سياسية، لكن الشملان على قلة العدد وخذلان الناصر أبطل هذه النظرية المضادة للإصلاح بفعله وقوله. وكأنه يتمثل عبارة الشاعر مظفر النواب وهو يستهجن موقف اليسار من نضال الحركات الدينية، والذي في بعض البلدان العربية اتسم بالتواطؤ أو بالصمت في أحسن الأحوال متسائلا في إحدى قصائده: كيف يحتاج دمٌ بهذا الوضوح / إلى معجم طبقي لكي نفهمه؟.

وعلى الضفة الأخرى لو أن الشيخ الجمري رحمه الله جلس تلك الأيام يستمع إلى تنظيرات السلفية الشيعية وهم يقولون التعاون مع اليسار حرام وأنهم شر أهل الأرض، ولا يأتي منهم إلا الخراب وأن طغيان الدولة أهون من التعاون معهم، لما كان هو الجمري ولتمكنت القوى المضادة للتغيير من حصار الحركة الإصلاحية الدينية في غيتوها وعزلها عن محيطها من القوى الوطنية والديمقراطية التي كان لها السبق والريادة في تاريخ البحرين في طرح خيار الديمقراطية والتمثيل النيابي والحل الدستوري.

لكن الجمري بشخصيته التي مثلت عن حق شملان الدينيين أو أن الشملان كان جمري اليساريين تمكنا لأول مرة في تاريخنا القريب منذ الهيئة الخمسينية من خلق اصطفاف وطني ديني إصلاحي تمكن برغم كل العوائق من تحقيق على الأقل الجزء الأول من مشروعه وهو إعادة الحياة النيابية بفضل هاتين البصمتين المحليتين الواضحتين مع من رافقهما من الذين تعالوا على اختلافات المنابع.


ندرك اليوم أننا نعود القهقرى، حيث الزمن أبخل من أن يجود بمثل هؤلاء الآن، وحيث إن الصوت الأكثر ضجيجا اليوم ينادي بوحدة الطائفة الشيعية أو السنية أو الأيديولوجية كل ضد الآخر، متنازعين على كعكة يقول عنها الأستاذ إبراهيم شريف محقا هي كعكة غير موجودة أصلا في الوقت الذي نتنازع على التهامها.


 
الوقت  23 نوفمبر 2009