المنشور

أمور محيرة في تقرير الرقابة المالية


تقرير الرقابة المالية للعام 2008 صدر مطلع الشهر الجاري، وهذه هي سادس سنة يصدر بشأنها تقرير رقابي، وقد أشرت في مقال أمس إلى أنه يؤخذ على التقرير أنه يركز على الجانب الإجرائي أكثر من أي شيء آخر. كما أنني أتفق مع الملاحظات التي يبديها عدد من المتابعين للتقرير، إذ ينبغي أن يكون لديوان الرقابة المالية دور أكثر فاعلية وأن يساهم في صوغ المستقبل وأن يكون مصدرا حيويا يغذي الدولة بالمعلومات اللازمة لتطوير خططها واستراتيجياتها في مختلف القطاعات، وألا يركز على أنظمة الرقابة الداخلية فحسب. فعلى الرغم من أهمية النظم والإجراءات، فإن هناك أمورا أكثر أهمية تتطلب الالتفات، مثل كيفية إيقاف تبذير أموال الدولة في قطاعات شتى يمكن أن تضيع فيها الأموال من دون أن يعرف المرء شيئا عنها.

ديوان الرقابة المالية استعرض نحو 18 تقريرا، وأربعة فقط تتعلق برقابة الأداء، أما الباقي فكلها رقابة نظامية – إجرائية تتحدث عن مدى والتزام مسئولي الدولة والمؤسسات بالقوانين والأنظمة واللوائح والقرارات، وهذا كله لا ينظر إلى رقابة أداء هذه الجهات، أو ما يتعلق بأداء مشروعاتها. كما أن عملية اختيار الجهات – لفحص مدى التزامها بالإجراءات – تتم بشكل واضح. ويمكن للتقرير أن يستعيض عن تكثير عدد الصفحات بوضع تصنيف لدرجة خطورة هذه الملاحظة أو تلك، فقد تكون ملاحظة طولها سطر واحد، ولكنها خطيرة جدا، وأخطر بكثير من عشرات أو مئات الصفحات عن مخالفات إجرائية بحتة، فنحن لا نحتاج إلى تقرير ضخم بقدر ما نحتاج إلى تنبيه واضح ومباشر يتولد عنه إجراء ما لوقف ممارسة من ممارسات الفساد أو الهدر في المال العام.

إننا نرى أن هناك قضايا كبرى – كتلك المتعلقة بشركة ألمنيوم البحرين وتتداولها محاكم أميركية وغير أميركية – لم يكتشفها أحد تقارير الرقابة المالية، وهناك مشروعات ضخمة لعدة جهات حاليا، وهذه المشروعات تكلف الملايين والمليارات من الدنانير، ولكن ديوان الرقابة لا يتوجه نحو التدقيق فيها، وحتى موضوعات أصغر كان التقرير يشير اليها في سنوات ماضية – مثل عدم دفع فواتير الكهرباء من قبل فئات ليست في عوز مادي – أصبحت الآن غير واردة في أي صفحة من صفحات التقرير على الرغم من استمرار هذه الظاهرة .

الأمر الآخر هو أن ديوان الرقابة المالية لا يعقد أي مؤتمر أو بيان صحافي، وكأن إصدار التقرير قضية هامشية وليست ذات معنى، هذا في الوقت الذي تزداد المؤتمرات الصحافية عن كثير من القضايا. كما ان التقرير لا يصل إلى الصحافة إلا من خلال التسريب… فإذا كان تقريرا للمصلحة العامة، لماذا لا يباع لجميع الناس بحيث يمكن الاطلاع عليه بشكل ميسر؟ أسئلة محيرة تزداد مع قراءة كل صفحة في التقرير الضخم جدا. 

 الوسط 16 نوفمبر 2009م