المنشور

أسرة الأدباء (11) ماذا بعد الأربعين؟!

نود في حلقتنا هذه التركيز والحديث على مسيرة أسرة الأدباء والكتاب خلال عقودها الأربعة، مع تدبيج اعتذار حار لكل من نعرفهم أو لا نعرفهم شخصيا، إن لم نعرج لذكر اسم من الأسماء التي شيدت معمار ثقافتنا المعاصرة والحديثة في النصف الثاني من القرن العشرين. فمثل ما ذكرت سابقا انني هنا لا أخوض في ميدان التحليل والاستعراض لكل المنتوج الأدبي الغزير وعلاقته بالمرحلة، وإنما كان الهدف فقط هو تقديم بانوراما مكثفة ومرحلية، لعلها تكون جزءا من مشاركة متواضعة منا لاحتفالية الأسرة بعيد ميلادها الأربعين. ولكون الكتابات الصحافية مختلفة من حيث الدقة والصرامة البحثية، لهذا لم نقاربها ونقترب منها كما توقع البعض. فإننا كنا نرغب من خلال الحلقات إبراز المحطات والمشاهد والشهادات لمعاناة الأوائل من الأدباء الشباب، في مناخ اتسم بخصوصيته التاريخية كما اشرنا لها في قراءاتنا التاريخية المتزامنة مع تاريخية تأسيس وتطور الأسرة، وتداخل الأصوات الأدبية الإبداعية مع الأصوات المجتمعية والسياسية المحتجة والساخطة، كجزء من مشروع وطني تحرري عام، بدا تاريخيا كالمخاض المؤلم، ولكنه الحتمي في مساره المتعرج والمستمر، والذي لا بد وان ينتهي بفرح غامر. وبما أن كل الأشياء التي تبدأ في نبتتها المبكرة، تمر بظروف صعبة وعصيبة، فان ولادة أسرة الأدباء والكتاب، التي خرجت من رأس منيرفا، حاملة قوس النار والنور، حاملة صخرة سيزيف وتمرد الالهة الدلمونية، فكان صوت التراث والأسطورة والواقع وكل أشكال التحايل الأدبي حاضرا، لكي لا يتم إيقاف الكلمة الممنوعة عند بوابة المرفأ. اليوم صاروا أعضاء الأسرة الأوائل في العقد السادس والسابع من عمرهم وغزا الشيب رؤوسهم، متمنين لهم جميعا الصحة والعافية والعطاء الدائم، فقد اختزنت ذاكرتهم تجارب المرحلة السابقة ونضوج مراحلها المتعاقبة حتى لحظتنا الراهنة، وهم مازالوا كبرمثيوس يحملون كرة النار في مواجهة الظلمة، فأعداء الكلمة والحرية يتربصون بها دائما ويخافون من سطوتها وقوتها التدميرية لبناء حياة إنسانية مختلفة، حتى وان كانت كالحلم البعيد واليوتوبيا الخرافية. لا يهم الرعيل الأول أن يمضي نحو الأبدية، ولكن، ظل قلقه الكبير بأن لا يترك بصمة صغيرة من إبداعه في كونية العالم، بأن يخلدوا الوطن في كلمات كانت سجينة أو محاصرة أو مقتولة. أربعون عاما لا يسعنا الوقت لإعادة انتاجها اليوم بصورة جديدة ومختلفة، غير إن التسلسل الزمني لثقافتنا البحرينية المتصلة كمشعل اولمبي وماراثوني يسلمه الرعيل الأول للذين سيرثون تاريخ الأسرة بأمانة وتقدير وتقديس للكلمة والحرية، من اجل عصر نهضوي وتنويري للبحرين المنشودة، وهي تضع لبنات اتجاه حركتها نحو التغيير في عهد المشروع الإصلاحي، الذي جاء مع عاهل البلاد، فحلّقت الأسرة بجناحي نسر في أحضان جديدة وفضاء له وجوه عدة، فأينما ستذهب ستجد نفسك محاطا برغبة المعرفة والإبداع والثقافة المتدفقة من زمن الانترنت، جيل سيحمل الأمانة كجزء من موروث وارث ثقافي للبحرين الحديثة وهي تدخل الألفية الثالثة بطموحات كبرى، فمشروع الديمقراطية وحقوق الإنسان، قطار لتوه يتحرك، وأمامه زمن من الجريان بين الأودية والصخور. لن يصدق الرعيل الأول في غفلتهم مع الزمن، أنهم امضوا أربعين عاما وهم يجالدون القسوة والمعارضة، بل والتغييب والتشويه والإساءة، حتى كان عضو الأسرة المبدع بلا جواز سفر ومسجونا في بيته ومحاصرا في عمله ومطاردا في لقمة عيشه، ومعتقلا بين كتابه وكلماته وحياته داخل قفص الموت. هؤلاء الأوائل بذروا الفكرة التي تجذرت شجرتها وتمددت وتعالت أغصانها واخضرت أوراقها، فنحن في زمن آخر ولحظة أخرى من التغيير وهوامش الديمقراطية. وعلينا أن نقيس المراحل والتجارب ليس فقط ببداياتها وإنما بنتائجها ونهاياتها أيضا، فان على الجيل الجديد من أعضاء الأسرة، التعلم من خصوبة التجارب الإنسانية وتنوعها، المحلية والعالمية، وان يمتطوا هم أيضا كفرسان الكلمة الجدد حصانهم التاريخي، ويجعلوا من مسار الأسرة وتاريخها يتلازمان مع الخط البياني للديمقراطية وفضاء الحريات المتاحة في مجتمعنا المدني، والتي كثيرا ما توضع لعجلاتها العصي لمنعها من الدوران فتتعثر وتنغلق حينا وتنفرج وتتفتح كالزهرة حيينا آخر، فإرادة الكلمة الحرة عنوان روحي وفكري لكل مبدع مهما اختلفت الأجيال والتجارب والمراحل. أربعون عاما وكأننا نبدأ انطلاقة بدم جديد يمتزج بلون النبيذ المعتق لكتاب وأعضاء مرحلة التأسيس، ليؤسس الجميع، الشيوخ والشباب، لمشروع ثقافي أرحب وأخصب وفعاليات أفضل في ظل حياة نيابية أشبه بالحضانة وعالم من الشفافية ودولة القانون وحريات المجتمع المدني وهي تواصل مشروعها التحرري الدائم من اجل الكلمة والإنسان. فهل نمسك بمقولة عظيمة ومهمة لشاعرنا الكبير ناظم حكمت »بأن أجمل الأيام تلك التي لم نعشها بعد، وان أجمل البحار تلك التي لم نشرع لها أشرعتنا بعد، وان أجمل الأطفال من لم يولد بعد«. تلك الأمنيات والأحلام الجميلة حق إنساني للجميع، وتجاوزت حدودها القومية نحو الإنسانية العظيمة، بعد ان عادت لنا تلك الأغنية الجميلة من الحلم في خطابات عاهل البلاد، حيث أشار عن تلك الأيام الجميلة المنتظرة والتي لم نعشها بعد.
 
صحيفة الايام
17 نوفمبر 2009