المنشور

الواقعية والتطرف في ذكرى احتلال السفارة الأمريكية

في ضوء ما شهدته الفعاليات التي أقيمت بمناسبة “يوم القدس” في الجمعة الاخيرة من رمضان الفائت من صدامات بين الشرطة وأنصار “المرشد” والرئيس نجاد من جهة وأنصار ورموز المعارضة من جهة أخرى، بات واضحا ان ثمة تكتيكا جديدا تتبناه المعارضة يتمثل في عدم تفويت ما يوفره الاحتفال بالمناسبات العامة الوطنية من فرصة لها للتظاهر في الشوارع وتنظيم المسيرات الخاصة بتلك المناسبات وذلك بغية عدم ترك الشارع لتنفرد به السلطة وأنصارها ومن ثم استغلال مسيرات وفعاليات يوم المناسبة لرفع شعاراتها ضد السلطة والفساد والتزوير، وهذا ما فعلته المعارضة بالضبط في مناسبة ذكرى يوم احتلال الطلبة للسفارة الامريكية بطهران وهو الحادث الذي وقع قبل 30 عاما بعد تسعة أشهر من انتصار الثورة واقامة النظام الجمهوري الاسلامي بقيادة المرشد الراحل الإمام الخميني.
وعلى الرغم من تحذير السلطات الامنية المتكرر للمعارضة من تسيير أي مسيرات في هذه المناسبة، فإن الاخيرة تجاهلت ولم تكترث بكل تلك التحذيرات فكان ان تمكنت من حشد مسيرات قدرها البعض بعشرات الالوف فيما قدرها البعض الآخر بمئات الالوف. وبالطبع فإن هذه المسيرات التي نددت بالفساد والتزوير وهتفت بـ “الموت للدكتاتور”، في اشارة ضمنية للمرشد، لم تنته بسلام فقد قمعتها الشرطة بشدة واعتقلت المئات من الشباب المنادين بالاصلاح.
واذا كانت هذه المسيرات السلمية الاصلاحية الموازية لمسيرات أنصار النظام الرسمية البيروقراطية التي اعتادت السلطة سنويا الاشراف عليها ورعايتها، هي ابرز ما يميز فعاليات الاحتفال بهذه الذكرى هذا العام فثمة أمر آخر لافت يرتبط بالذكرى ذاتها ويتمثل في اعلان المرجع الايراني الكبير آية الله العظمى حسين المنتظري نقده وتخطئته لقيام الطلبة الاسلاميين باقتحام واحتلال السفارة الامريكية واحتجاز كل من فيها من دبلوماسيين وغير دبلوماسيين كرهائن على مدى 444 يوما، أي زهاء عام وشهرين.
منتظري الذي شعر بالخذلان لحقه في خلافة الخميني كقائد ومرشد للثورة قبيل بضعة أشهر من رحيل هذا الاخير قال: “ان احتلال السفارة الامريكية لقي في البدء دعم الثوريين الايرانيين والإمام الخميني وأنا بنفسي دعمته”. وأضاف: “ولكن نظرا الى التداعيات السلبية والحساسية البالغة التي نجمت عن هذا العمل لدى الشعب الامريكي، والتي لاتزال موجودة حتى اليوم، فإن القيام بهذا العمل لم يكن صائبا”.. ويستطرد قائلا: “من حيث المبدأ فإن سفارة بلد ما تعتبر جزءا لا يتجزأ من هذا البلد، واحتلال سفارة بلد ليس في حرب معنا هو بمثابة اعلان حرب على هذا البلد، وهذا ليس أمرا صائبا”.
ومع ان النقد الذاتي الذي أعلنه منتظري لدعمه الهجوم الطلابي على السفارة الامريكية في مثل هذا الوقت من خريف عام 1979 قد جاء متأخرا ومع ذلك فان يأتي هذا النقد الذاتي والاقرار بالخطأ خير من ألا يأتي أبدا.
والحال ليس منتظري هو الذي انتقد الهجوم الطلابي على السفارة الامريكية فقط، بل سبقه اليه قادة ورموز الطلبة أنفسهم مثل معصومة ابتكار وعباس عبدي ومحسن ميرداماديه ففي الوقت الذي صقلت هؤلاء وغيرهم كثيرون التجربة السياسية، فكرا وواقعية، وأضحوا أكثر نضجا وواقعية في مواقفهم السياسية والفكرية وفي ممارساتهم السياسية وانتقلوا جميعهم الى صف الاصلاحيين فإن العديد من الرموز الدينية في النظام مازالت عاجزة عن التطور قيد أنملة في مواقفها ومازالت تعيش في مناخ ربيع الثورة لا خريفها رغم كل ما جرى في ايران والمنطقة والعالم من متغيرات. قلة منهم يعود الامر الى تحجرها الفكري لطبيعة ذهنيتها السياسية غير القادرة على التطور وكثرة منهم انما رأت في المحافظة على هذه الافكار ضمانا ومحافظة على امتيازاتها التي تحظى بها داخل السلطة.
لا أحد بالطبع بمقدوره ان يكابر فيما كانت تلعبه السفارة الامريكية في عهد الشاه من ادوار قذرة داخل ايران وفي المنطقة بحق شعوبها وقواها الوطنية وما كانت تختزنه من وثائق تعري تلك الادوار، لكن ان يتم الانتقام من أمريكا ومصادرة تلك الوثائق بتلك الطريقة الصبيانية على أيدي طلاب مراهقين بمعرفة وتشجيع الدولة الجديدة التي مضى على قيامها حينذاك تسعة أشهر لهو أكبر دليل على عجز قادتها وسلطتها عن ابتكار وسائل قانونية مشروعة يتيحها لها حقها السيادي دونما الحاجة الى تشجيع الغوغاء على ضرب القانون الدولي ضد جهة دبلوماسية يفترض انها تحت مظلة حماية الدولة التي تستضيف بعثتها.

صحيفة اخبار الخليج
15 نوفمبر 2009