المنشور

حتى لا تكون احتفالية سنوية باهتة


 
رفع ديوان الرقابة المالية منذ أكثر من أسبوعين تقريره السنوي لعام 2008 إلى جلالة الملك والحكومة الموقرة ومجلس النواب، وذلك ضمن سلسلة تقارير ابتدأها منذ العام 2003، تحولت معها عملية رفع التقرير تلك إلى احتفالية سنوية ترتفع معها حدة النقد الموجه للسلطة التنفيذية بمختلف وزاراتها وجهاتها الرسمية، نظرا لما تحتويه تلك التقارير في العادة من تجاوزات وقضايا فساد مالي وإداري، تظل في العادة شاهدا على حجم التسيب وانفراط عقد المحاسبة والرقابة الداخلية لدى مختلف تلك الجهات الحكومية، هذا على الأقل ما يقوله التقرير في ثناياه، التي تعج بمواضع مؤلمة حول كيفية التعامل مع المال العام والتلاعب بالقوانين والالتفاف عليها دون أدنى مسؤولية ممن يفترض أن يعنيهم الأمر، يزيدها سوءا التراجع المعيب للدور الرقابي والمحاسبي سواء على مستوى الوزارة أو على مستوى المؤسسة المعنية بالرقابة والتشريع ونعني بها تحديدا مجلس النواب.

فالتقرير أوضح أن غالبية الجهات الخاضعة لرقابة الديوان لا تكترث لملاحظاته المتواترة في العديد من القضايا التي يطرحها، وعدم استجابة الكثير من الجهات لإجراءات الرقابة ولا حتى للقوانين والمواد المحددة فيه، وهي قوانين ملزمة يتم تجاوزها دون اكتراث.

كما أننا لا نفهم ردّات الفعل التي أضحت تنتاب نواب الشعب وكتلهم في مثل هذا الوقت من كل عام، حتى باتوا مضطرين شفاهة لإظهار رفضهم التطاول على المال العام، مستسهلين اتهام السلطة التنفيذية وحتى الصحافة أحيانا! وهم الذين يحتفظون في أدراجهم ومقاعد سياراتهم الخلفية بتلك التقارير منذ اليوم الأول لهم تحت قبة البرلمان منذ العام 2006 دون أن يظهروا ما يمكن أن يشفع لهم بمجرد محاولة ملامسة تلك التقارير الثلاثة التي عادة ما توزع على جميع النواب والكتل ليتسنى لهم تمحيصها وقراءتها، بدلا من أن تترك ليعلوها غبار النسيان والإهمال الذي ميز تعاطيهم معها طيلة أكثر من ثلاث سنوات مضت.

ثلاثة تقارير فيها من التجاوزات والسرقات والتعدي على المال العام وتجاوز القوانين وعدم الانضباط الإداري والمالي، ما يشفع لنا كمعنيين بأمر المال العام مطالبة ديوان الرقابة المالية بممارسة دوره المنتظر برفع قضايا على كل من تسببوا في ضياع عشرات بل مئات الملايين طيلة سنوات من عدم المبالاة، كانت السمة السائدة فيها عدم جدية الكثير من المسؤولين في غالبية أجهزة الدولة تجاه حماية المال العام خاصة وأن تكرار تلك التجاوزات والإهمال قد تسبب ومازال في مراكمة الملايين الضائعة سنة بعد أخرى دون أمل يذكر بتوقف ذلك الهدر المريع لثروات الوطن.

أعتقد جازما أن أكثر من 95% من التجاوزات الواردة في التقرير الأخير تكررت في ما سبقها من تقارير، فإذا أصبح الدور الرقابي متراجعا بل نقول غائبا، ونحن نعرف مسببات ذلك سلفا، فلماذا يغيب دور الحكومة يا ترى وهي المعنية بحماية المال العام؟ فأين هي محاسبة الوزراء والمسؤولين في كل تلك المواقع الرسمية المؤشر عليها سنويا دون انقطاع في تقارير الديوان منذ أكثر من ست سنوات؟! وإذ هم يسكتون متدثرين بلحاف الفساد وشبكاته، فلماذا يستمر السكوت على بقائهم. وما جدوى أن يناقش مجلس النواب – هذا إن تفضل علينا – في فترة وجيزة هي المتبقية من عمره الافتراضي، ثلاثة تقارير للرقابة المالية وثلاثة تقارير أخرى للحساب الختامي، وهو المنشغل – أي المجلس – في ما تبقى له من زمن بمزايدات سوف يحين اجلها وتلميحات بتشكيل مزيد من لجان التحقيق، تحسبا لموسم انتخابي لا شك انه يتطلب صخبا وضجيجا استثنائيا من قبل البعض، فهل المسألة مجرد رفع تقارير على طريقة إبراء الذمة، أم إصلاح الأوضاع وتحقيق المحاسبة والانضباط والتشدد في حماية المال العام؟! أسئلة نطرحها برسم الإجابة عليها ممن يعنيهم الأمر، ويقينا فنحن لا يطربنا أبداً الرقص على ضياع ثروات هذا البلد، أو أن نتخذ من ذلك موسما واحتفالية نلقي فيها جام غضبنا على من يستسهلون التلاعب بالمال العام، حاشا لله، ولكنه الألم الذي يعتصرنا جميعا، فهي مسؤوليتنا كمواطنين ومعنيين بالشأن العام أولا وقبل كل شيء، حيث يصبح السكوت وتمرير تلك التجاوزات الصغيرة منها قبل الكبيرة جريمة لا تغتفر.
 
 
صحيفة الايام
15 نوفمبر 2009