المنشور

أسرة الأدباء (10).. الصوت النسائي


 
بذرت فكرة تعليم المرأة الرسمي عام 1928 ، مشروعا جهنميا مناهضا لعالم التخلف والظلام ، مشروعا تنويريا سيصب في الرافد العام من نهر المجتمع البحريني المتحرك ، وبدون التعليم لا يوجد متعلمون، وبدون متعلمين لا تزدهر الثقافة وتتطور ، وأخيراً بدون التعليم والثقافة معا ، لا تتأسس المشاريع الحضارية والإنسانية العظيمة.

في هذا المجال الثقافي والتعليمي سنرى المرأة تقف على مسافة صغيرة بينها وبين الرجل ، في حقبة الخمسينات ، فبعد ما يقرب من ثلاثة عقود من حركة التعليم الرسمي ، سنلمس الصوت النسائي يخرج من صمته ويعلن مواقفه المبكرة ، حيث ازدهار صحافة الخمسينات سيهيئ المناخ لخروج المرأة من جدار البيت ، ومشاركتها في حركة التغيير التي عرفتها المرحلة.

وبذلك وضعت موزة الزائد وبدرية خلفان وشهلا خلفان وبهية الجشي ، العلامات والركائز الأولى لمسيرة انطلقت ولم تتوقف. ومن يقرأ مفردات تلك المرحلة وصحافتها الحالمة يلاحظ كم كانت الأمور متقدمة بقياس الفترة ،  فبعد مقالة روز غريب اللبنانية حول مساواة المرأة بالرجل (1951) فان مقالة بدرية خلفان تكون مكملة للمشروع النسائي النهضوي وهو في باكورة أفكاره ، حيث تركزت المقالة حول أهمية الحركة النسائية (1954) ثم عنوان شهلا خلفان في مقالة ’’ إلى الطليعة الواعية ’’ (1955) وموزة الزايد التي ركزت على الاسم في عنوان مقالتها ’’ دين الحرية ’’ (1955) وهي تحاور أطراف محافظة ومعارضة لحقوق المرأة ، خاصة وان التيار المتشدد هاجمها بتهمة التحريض على السفور!! ولكنها أصرت على مطالبها التي قالت عنها إنها ’’ مطالب عادلة تقرها ابسط قواعد حقوق الإنسان ‘‘.

وبهذه العبارة تكون موزة الزايد أول امرأة إن – لم تكن أول إنسان بحريني – يشير لعبارة حقوق الإنسان في الخمسينات ، والتي كانت غائبة عن ثقافة الشارع البحريني وصارت اليوم كالعلكة. مثلما تكون الشقيقتان خلفان هما أول من ادخل المفردات التقدمية بروحها الماركسي والاممي للصحافة المحلية من منظور الصوت النسائي يوم ذاك حين كتبت شهلا تقول: ’’ فمطالبنا نحن النساء هنا بالحرية تحدد وفق مفهومنا لتحرير مجتمعاتنا من الاستعمار والرجعية وما تخلفه هاتان القوتان من آثار في جسد المجتمع والمطالبة بالحريات وربط مصير الحركة النسائية هنا بمصير الحركات النسائية المماثلة في العالم ’’ .

صوت تجاوز زمنه ولغة كانت متقدمة على عصرها ووعي يثير التساؤل ، هل تمتلك فتيات الثانوية العامة يوم ذاك ، هذا القدر من البلاغة والموهبة والوعي؟ وفي كلا الحالات كانت الأصوات محسوسة وموجودة ومشاغبة خرجت للتظاهرات والمشاركة السياسية ، مما يعزز فكرة إن الصوت النسائي منذ بدايات خروجه من البيت ظل ملتحما بالثقافة والسياسة كمكملين للوعي النسوي.

تناثرت وتتابعت الأصوات النسائية وهي تكتب خطابها دون توقف عبر منابر صحافة الخمسينات ، من اجل حلم المرأة في المساواة والعدالة ، كلما وجدت الفضاء الثقافي والصحفي الذي يفتح لها نوافذه.

ومع عودة الحياة الصحفية في الستينات وولادة أسرة الأدباء والكتاب ، كانت المرأة  حاضرة مجددا ، ولكن هذه المرة بوعي أعمق ورؤية أوسع ومطالب وحقوق متعددة وكبيرة تتسق وروح المرحلة. ولكون المرأة البحرينية ترفض الركون لليأس والاستسلام والتبعية ، فان إعلانها المشاركة في عضوية أسرة الأدباء والكتاب دلالة لتكملة مشاركتها في انتفاضة مارس والتظاهرات الطلابية المستمرة ، وبذلك عبرت عن صوتها الإبداعي هذه المرة إلى جانب كونه صوتا ثقافيا وسياسيا معا ، لنرى الرعيل الأول مثل الشاعرة حمده خميس ، والفنانة التشكيلية والشاعرة إيمان أسيري ، والقاصة فوزية رشيد، ثم الشاعرة فوزية السندي والقاصة منيرة فاضل والشاعرة الشعبية (والفصحى) فتحية عجلان ، لتتواصل الحلقة مع أصوات نسائية شابة أخرى مثل الشاعرتين ، فاطمة التيتون ونبيلة زباري وهلم جرا ، حتى صارت المرأة الصوت المتناغم والمنسجم مع صوت الرجل ، والمختلف بتعبيراته في البنية الثقافية والإبداعية للأسرة ، دون أن تقطع المرأة الحبل السري في علاقتها بالرجل في مضمار التضامن المشترك من اجل ثقافة وكلمة حرة داخل مؤسسة الأسرة وخارجها.

اليوم الأصوات الإبداعية النسائية ، سواء كن أعضاء في أسرة الأدباء أو خارجها، والموجودة في الجامعات والمؤسسات ، قد باتت كلها مشروعا من مشاريع ثقافتنا المعاصرة وجزءاً لا يتجزأ من مسيرة البحرين الثقافية والسياسية ، فكن صوت الثقافة المعارضة منذ انطلاقة الأسرة ، حيث الحركة التعليمية الواسعة والمتطورة ستقدم لنا اصواتا نسائية مثقفة في الصحافة والإعلام والسياسة والاقتصاد والمال والأعمال ، المرأة النقابية والطبيبة والمحامية والمهندسة ، والموظفة التكنوقراطية ، التي تقف في السلالم العليا من إدارة المؤسسات ومراكز البحوث والجامعات.
غير إن نساء أسرة الأدباء وفكرها وتوجهاتها الحداثية ، هم ليسوا نساء الفكر المنقب ولا نساء الفكر الظلامي ، فساحة الثقافة المتحررة والتنويرية في مجملها طاردة من الناحية الموضوعية لمثل ذلك الفكر وذلك الإبداع الثقافي (كما تعكسه الأعمال الأدبية ومضمونها الأوسع من المظاهر الخارجية للإنسان )، مما يجعل صوت المرأة الإبداعي أمام رسالتها التاريخية في رفد حركة التنوير والنهضة ، يدا بيد مع الرجل لبناء بحرين المستقبل ، بحرين جديدة ومختلفة في إنسانها وكلمتها وشعاراتها كما هو شعار ’’ البحرين أولا ’’ كوطن يسمو ويتسامى على جراحه وفوق الطوائف والعصبيات المقيتة وضد كل أشكال النعرات المريضة.
 
 
صحيفة الايام
15 نوفمبر 2009