المنشور

مؤتمر الأطراف الخامس عشر لتغير المناخ في‮ ‬كوبنهاجن‮ (‬2‮-‬2‮)‬

متابعة لموضوعنا أعلاه في‮ ‬جزئه الثاني،‮ ‬نقول إن كل تلك الضغوط التي‮ ‬تمارس الدول المتقدمة على الدول النامية في‮ ‬الاجتماعات التحضيرية التي‮ ‬عقدت على مدار هذا العام وآخرها في‮ ‬برشلونة‮ (‬من‮ ‬2‮-‬6‮ ‬نوفمبر‮ ‬2009‮) ‬قبل الوصول إلى مؤتمر الأطراف الأهم في‮ ‬مصير المفاوضات المتعددة الأطراف للدول الأعضاء في‮ ‬اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ وبروتوكول كيوتو منذ الاتفاق الذي‮ ‬جرى في‮ ‬كيوتو عام‮ ‬‭,‬1997‮ ‬وهو مؤتمر الأطراف الخامس عشر‮ ‬cop-15‭)‬‮)‬‭ ‬الذي‮ ‬سيعقد في‮ ‬كوبنهاجن خلال الفترة من‮ ‬7‮-‬18‮ ‬ديسمبر المقبل‮.‬ نقول إن كل تلك الضغوط وكل تلك التكتيكات التفاوضية المراوغة هدفها إيصال الدول النامية إلى حالة من القناعة القسرية لأن توافق على أخذ التزامات بتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسب تتراوح ما بين‮ ‬15٪‮-‬30٪‮.‬ كيف؟‮ ..‬من الناحية القانونية المنصوص عليها في‮ ‬الاتفاقية الإطارية والبروتوكول فإن المنطقي‮ ‬هو أن تلتزم الدول المتقدمة بما أقرته الاتفاقية عليها من التزاماتها وما حدده البروتوكول لها من نسب تخفيض للانبعاثات‮ (‬5٪‮ ‬في‮ ‬المتوسط خلال فترة التخفيض الأولى من‮ ‬2008‮ ‬إلى‮ ‬2012‮ ‬وصولاً‮ ‬إلى مستوى الانبعاثات الذي‮ ‬كان سائداً‮ ‬في‮ ‬عام‮ ‬1990‮). ‬وبما أن معظمها لم‮ ‬يوف بهذه الالتزامات عبر الآليات التي‮ ‬أتاحها لها البروتوكول وهي‮ ‬أولاً‮: ‬آليــة التنفــيذ المشترك للمشـاريع بين الدول الصناعية المتقدمة نفسها‮ ‬‭(‬Joint Implementation‭).‬ ثانياً‮: ‬آلية التنمية النظيفة‮ ‬‭(‬Clean Development Mechanism‭ – ‬CDM‭)‬‮ ‬والتي‮ ‬تقوم بموجبها الدول المتقدمة بتنفيذ وتمويل مشاريع لخفض الانبعاثات وتأمين الاستدامة التنموية في‮ ‬الدول النامية بحيث‮ ‬يحسب أي‮ ‬تخفيض في‮ ‬الانبعاثات نتيجة لتنفيذ هذه المشاريع كجزء من تنفيذ الدول المتقدمة لالتزاماتها المنصوص عليها في‮ ‬البروتوكول‮.‬ ثالثاً‮: ‬آلية تجارة الانبعاثات أو تجارة الكربون‮ ‬‭(‬Carbon Trading‭)‬‮ ‬حيث سمحت المادة‮ ‬17‮ ‬من البروتوكول بالتجارة في‮ ‬الفائض من حصص التخفيض لدولة مع دولة أخرى من دول المرفق الأول‮ (‬أي‮ ‬الدول المتقدمة‮).‬ ورغم تطبيقها هذه الآليات إلا أن الدول المتقدمة لم تستطع مقابلة استحقاق‮ ‬2012‮ ‬ما‮ ‬يستوجب تمديد العمل بهذه الالتزامات وبنسب أعلى من نسب فترة التخفيض الأولى،‮ ‬وهو ما تؤكد عليه الدول النامية إذ تطالب بأن تأخذ البلدان المتقدمة دوراً‮ ‬ريادياً‮ ‬في‮ ‬تخفيض انبعاثاتها وأن تحدد أهدافاً‮ ‬عالية للتخفيض على المديين المتوسط‮ (‬2020‮) ‬والبعيد‮ (‬2050‮).‬ هنا تنبري‮ ‬الدول المتقدمة كسبيل للتهرب من هذا الاستحقاق،‮ ‬لمطالبة الدول النامية بالمقابل وتحديداً‮ ‬الدول النامية ذات الاقتصادات الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا وسنغافورة وحتى بلداننا الخليجية،‮ ‬بضرورة قبولها بنسب تخفيض لانبعاثاتها ما بين‮ ‬15٪‮ ‬إلى‮ ‬30٪‮!‬ ولذلك قد‮ ‬يستغرب البعض من هذا الموقف للدول المتقدمة التي‮ ‬طالما أقامت الدنيا وأقعدتها تباكياً‮ ‬على المناخ العالمي‮ ‬وتغيراته المحدقة بكوارث تهدد الكوكب الأرضي،‮ ‬وطالما زايدت بطرح استراتيجيات لتخفيض الانبعاثات ذات سقوف عالية،‮ ‬بما فيها ما‮ ‬يخرق قواعد الاتفاقية ومنها‮ ‘‬أن لا تكون الإجراءات المضادة‮ ‬‭(‬Response Measures‭)‬‮ ‬التي‮ ‬تتخذها الدول المتقدمة للخفض لها أضرار وانعكاسات سلبية‮ (‬اقتصادية‮) ‬على الدول النامية‮’.‬ فشتّان بين تعهدات أوباما في‮ ‬خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في‮ ‬سبتمبر الماضي‮ ‬والتي‮ ‬قال فيها أن الولايات المتحدة ستكون رائدة في‮ ‬قيادة حملة خفض الانبعاثات والتخفيف من آثار التغير المناخي‮ ‬وما بين ممارسات المفاوضين الأمريكيين في‮ ‬الاجتماعات التمهيدية ومنها اجتماع بانكوك الذي‮ ‬عقد بالمناسبة بعيد خطاب أوباما،‮ ‬حيث ظل المفاوضون الأمريكيون على مواقفهم المتشددة المنطلقة أساساً‮ ‬من مناوءة بروتوكول كيوتو الذي‮ ‬كان حدّد للولايات المتحدة نسبة مساهمة في‮ ‬خفض الانبعاثات تشكل‮ ‬25٪‮ ‬من إجمالي‮ ‬الانبعاثات العالمية،‮ ‬والاستمرار في‮ ‬اشتراط انضمام الدول ذات الاقتصادات الصاعدة لاسيما الصين والهند لدول المرفق الأول‮ (‬الدول المتقدمة‮) ‬الملزمة بالتخفيض‮.‬ في‮ ‬الكلام المنمق لا أحد‮ ‬يسبق الدول المتقدمة ولكن على أرض الواقع فإن هذه الدول وقادتها أبخل من البخل نفسه في‮ ‬دعم الجهود الدولية لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري‮ ‬وتقديم الدعم والمساعدة للدول النامية‮.‬ نعم هم حريصون على الاختلاء بالدول النامية الفقيرة مثل الدول الجزرية الأكثر هاشة بالنسبة للتغيرات المناخية،‮ ‬والدول الأفريقية والكاريبية الفقيرة بوعود معسولة‮ ‬غير ملزمة التنفيذ،‮ ‬من أجل شق صف مجموعة الـ‮ ‬77‮ + ‬الصين أقوى مجموعات التفاوض التي‮ ‬تمثل الدول النامية وأكثرها تأثيراً‮ ‬على مجرى المفاوضات‮. ‬ إضافة إلى ذلك ابتداع تصنيفـات ماكـرة للدول النامية من قبيل‮ ‬‭”‬The most poorer countries‭” ‬‮(‬الدول الأكـثر فقـراً‮)‬،‮ ‬و‮ ‬‭”‬The most vulenerable countries‭” ‬‮(‬الدول الأقـل هشاشة بالنسبة لتغير المناخ‮)‬،‮ ‬و‮ ‬‭”‬Least Developing countries‭” ‬‮(‬الدول الأقل نمواً‮)‬،‮ ‬و‭”‬Emerging countries‭” ‬‮(‬الدول الصاعدة‮) ‬وذلك من أجل خلق التمايز والفرقة بين الدول النامية في‮ ‬عملية التفاوض والتصويت على المقترحات والقرارات‮.‬ في‮ ‬هذا المقام‮ ‬يجدر بنا أن ننوه إلى اندفاع بعض منظمات المجتمع المدني‮ ‬في‮ ‬ديارنا العربية،‮ ‬ربما من دون قصد كي‮ ‬لا نتجنى عليها،‮ ‬نحو توجيه سهامها،‮ ‬التي‮ ‬هي‮ ‬سهام أطراف التفاوض للدول المتقدمة،‮ ‬باتجاه الدول العربية النفطية محملة إياها مسؤولية تزايد الانبعاثات باعتبارها بلدان منتجة للوقود الأحفوري‮. ‬هؤلاء الذين‮ ‬يلبسون قبعات عربية ويخلعونها ليضعوا محلها قبعات الممولين الأجانب أضرارهم المعنوية التفاوضية لا تقل عن أضرار الدول الصغيرة مثل ميكرونيزيا التي‮ ‬تنتمي‮ ‬لمجموعة البلدان النامية اسماً‮ ‬وللدول المتقدمة فعلاً‮. ‬ ولذلك نتمنى من القائمين على هذه المنظمات التي‮ ‬ركبت موجة التغير المناخي‮ ‬أن تتوخى الموضوعية والمصلحة العربية العليا حين تناولها لموضوع التغير المناخي.
 
صحيفة الوطن
9 نوفمبر 2009