المنشور

صراعُ الرأسماليتين في إيران


تتمثلُ إشكالية تطورِ العالمِ الإسلامي في إيران، وهي هنا تظهرُ فاقعة حادةً ثورية.
إن صراعَ الرأسماليةِ الحكومية المسيطرة والرأسماليةِ الخاصةِ المتواريةِ الزاحفةِ تحت الأردية الحكومية وتحت عُرُشها الواسعة والمستقلةِ في العديدِ من الأحيان، وصلَ إلى لحظةٍ حرجة.

للتجارِ والرأسمالِ الخاص تاريخٌ عريقٌ في إيران، لكن الهيمنةَ الحكوميةَ تسارعتْ منذ عهد الشاه، ثم تفاقمتْ في عهد الدينيين، واصبحتْ في عهدِ الحرسِ الثوري قوةً اقتصادية وعسكرية هائلة، وتتمثلُ في الأخير ذروتَها المخيفة.

تسعى الرأسماليةُ الخاصةُ لتغييرِ منحى إيران الاقتصادي، لتوقيف زحفِ الدولةِ على الاقتصاد وعلى الحياة الاجتماعية والحياة الثقافية، وهو الأمرُ الذي يتمظهرُ بشكلِ الأوامر الدينية التي هي عمليةُ تزييفٍ للوعي، بغرضِ تصوير الهيمنةِ الحكومية كشكلٍ مقدسٍ لا دخلَ للبشر فيه.

لكن زحفَ القطاعِ الخاص بدأ من داخلِ الحكم، فالثرواتُ العامةُ الهائلةُ تضيع، فتسارعتْ خطواتُ التخصيص في ينابيعَ مهمةٍ للثروةِ من دون أن تبلغَ ينابيعَها الأساسيةَ في النفط والغاز:
(مر شهر تقريباً منذ أن قرر مجلس صيانة الدستور إلغاء المادتين 43و44 من الدستور. ويسمحُ القرارُ لكلِ الصناعات الأساسية وقطاعات الخدمات والصناعة- عدا صناعات النفط والغاز- بالتحول إلى القطاع الخاص. ويتوقع أن يتم قريباً فتح قطاعات التجارة الخارجية والمصارف والتأمين والاتصالات والخدمات البريدية والسكك الحديدية والخطوط الجوية والنقل البحري أمام القطاع الخاص)، وقد ظهرَ هذا القرارُ سنة .2004

لكن التخصيصَ لم يجرِ بصورةٍ شفافة، فالإداراتُ الحكوميةُ والعسكريةُ لم تزلْ مهيمنةً على أغلبيةِ الاقتصاد، وهذه من إحدى المسائلِ الجوهريةِ التي جرى فيها نقدُ رئاسةِ نجاد الأولى، وفجرتْ الصراعَ ضد رئاستهِ الثانية.

إن التخصيصَ بطيءٌ والبنوكُ الحكوميةُ تهيمنُ على تداولِ الثروة:

(قال مسؤولٌ في بورصة طهران للأوراق المالية أمس الأول السبت إن إيران تعتزم عرض 5 في المائة من بنك ملت على مستثمرين من القطاع الخاص في 18 شباط (فبراير) الجاري وذلك في أول عملية تخصيص جزئية لبنك إيراني مملوك للدولة)، جرى ذلك في هذه السنة .2009
إن الحوزات الدينيةَ وأشكال الوعي الدينية عامةً في إيران ارتبطَتْ بالتجار وبالعلاقةِ معهم، لكنها كذلك تداخلت والوعي القومي الفارسي الحكومي، فهي منقسمةٌ لجانبين؛ جانب تأييد التجارة الحرة والحرية السياسية عامة، وجانب آخر مؤيد للشمولية السياسية الحاكمة ما دامتْ معلية للمذهب.

ولهذا انقسمَ رجالُ الدين بين هذين المنحيين، لكن جانبَ غلبةِ الدولةِ مسيطرٌ بطبيعة القوة والموارد الواسعة. وقامت جماعةُ الثورةِ الخضراء بطرحِ شعاراتٍ سياسية محددة، من دون أن تقومَ بنقدِ الواقع ومظاهرهِ المختلفة بعمق، حذراً من انفضاض المؤيدين، وتجريداً للمعركة وجعلها غائمة ومفتوحة مستقبلاً، وجعلت من وصولها للسلطة هو الهدف الواضح المباشر، وهو أمرٌ يترك خطواتها القادمة في غموض. وتسارعتْ قوتها في الآونةِ الأخيرة، وبدت السلطة معزولة والقمع الذي تفرضهُ يفقدُ دورَه.

لا شك انها لو وصلت للحكم لوسعت حضور القطاع الخاص وقوّت الحريات، لكن إلى أي مدى؟ نحن لا نعرف ذلك. في برنامج موسوي الانتخابي هناك توجهٌ لدعم القطاع الخاص بدرجة أساسية. وثمة غموضٌ كبيرٌ فيما عدا ذلك. لكن لن يكون ثمة انتصار كاسح للقطاع الخاص، بل توازنات جديدة بين القطاعين الرأسماليين العام والخاص.


صحيفة اخبار الخليج
9 نوفمبر 2009